هل طاقة الاندماج النووي الحل للحصول على طاقة نظيفة في المستقبل
بمجرد التفكير
للجوء الى الطاقة النووية كل الناس سيصيبها القلق والخوف، وذلك يرجع الى وجود
القنابل النووية، وانصهار المفاعلات النووية، والمخلفات الاشعاعية.
لا أحد يستطيع أن
ينكر التاريخ النووي المشحون بالحوادث المميتة، اللحظات المؤلمة التي لا يمكن أن
تنساها البشرية، ومع ذلك الطاقة النووية تنتج حوالي 10 % من انتاج الكهرباء على
مستوى العالم.
هذا معناه انخفاض
في معدل الكربون الناتج عن استخدام الوقود الحفري في انتاج الكهرباء بنسبة 29%، وانخفاض
بنسبة 55% في الولايات المتحدة الأمريكية.
المفاعلات
النووية تنتج الطاقة على مدار اليوم دون إطلاق غازات دفيئة في الجو تؤدي الى
الاحتباس الحراري، وبالتالي رفع درجة حرارة الأرض، ومع ذلك الا ان نمو استخدام
الطاقة النووية في انتاج الكهرباء أقل من نمو استخدام مصادر الطاقة الأخرى مثل
الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
حاليا يوجد 420
مفاعل نووي حول العالم وبحلول عام 2050 سيتم اغلاقهم لخروجهم عن الخدمة وبالتالي
لابد من استبدالهم لكن تكلفة انشاء المفاعلات النووية باهظة للغاية، والفترة زمنية
المستغرقة في بناء طويلة، هذا بخلاف كيفية التعامل مع المخلفات الاشعاعية،
وبالتالي هناك معارضة شعبية في دول العالم حول مشاريع الطاقة النووية خاصة في
الولايات المتحدة.
الا أن الشعوب
بين كفي رحى، أولا بين التغيرات والكوارث المناخية التي تحدث بسبب المفاعلات
النووية وبين آراء علماء الطاقة حيث يعتقدون على الرغم من التاريخ المثير للجدل
للطاقة النووية الا أنها ستكون مصدر دائم ومستمر لإنتاج الطاقة.
العلماء الآن
يقومون بتطوير أبحاث تكنولوجيا الطاقة النووية الحالية، لجعلها أكثر أمانا وأكثر
فاعلية، ويدعمهم في ذلك كثير من رجال الأعمال مثل بيل جيتس.
حاليا المختبرات
الحكومية والخاصة تهتم بطاقة الاندماج النووي، الاندماج النووي تعمل بنفس طريقة
التفاعلات الداخلية للشمس أو أي نجم موجود في الكون، واذا استطاعت أي دولة للوصول
الى تلك التكنولوجيا سيتغير سوق الطاقة جذريا.
تم اكتشاف
الانشطار النووي لأول مرة في آواخر عام 1938 بواسطة اثنين من العلماء الألمان، اكتشفوا
انه بمجرد قصف اليورانيوم بالنيوترونات تنقسم النواة مكونة نوعين من النظائر
الخفيفة، وإطلاق كتلة يمكن تحويلها الى طاقة.
هذا الاكتشاف مهد
الطريق لتصنيع القنبلة الذرية بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعد حادثة هيروشيما
وناجازاكي زاد القلق العالمي حول إمكانية انتشار الطاقة النووية، خاصة بعد زيادة
المخزون الأمريكي والاتحاد السوفيتي أثناء فترة الحرب الباردة.
في عام 1953 أطلق
الرئيس أيزنهاور برنامج الذرة من أجل السلام، في محاولة لتغيير مسار استخدام القوة
النووية لانتاج الطاقة السلمية، وفعلا اتجهت معظم دول العالم الى انشاء محطات طاقة
نووية للاستخدام المدني.
الا أن استخدام
الطاقة النووية لم يكن حكرا على الحكومات فقد اقتحم ذلك المجال مجموعة من
المستثمرين في القطاع الخاص، خاصة في الولايات المتحدة، ويوجد حاليا بالولايات
المتحدة حوالي 100 مفاعل نووي لانتاج الكهرباء، ويوجد 450 مفاعل نووي في العالم
مركزين في 31 دولة فقط.
ويتمثل انتاج
الكهرباء في بعض البلدان مثل فرنسا والمجر وسلوفاكيا وأوكرانيا بأكثر من 50% من
استعمال الطاقة النووية.
الا أن التاريخ
يحمل الكثير من الكوارث التي حدثت بسبب تلك الصناعة، في عام 1979 حدث انصهار جزئي
وتسريب اشعاعي في جزيرة ثري مايا ببنسلفانيا، وكلفت عملية التطهير مليار دولار.
حادثة تشيرنوبل
عام 1986 وحادثة فوكوشيما عام 2011، كل هذه الحوادث جعلت تلك الصناعة محط تفتيش
دقيق نتيجة لزيادة القلق العالمي منها، هذا بخلاف معضلة التخلص من النفايات
النووية.
يكلف بناء مفاعل
نووي في أوروبا حوالي 10 مليار دولار، ويحتاج الى 10 سنوات لبنائه، وبالتالي
بالمقارنة مع مصادر الطاقة الأخرى مثل الشمس والرياح وبالأخص الغاز الطبيعي، سنجد
أن استخدام الطاقة النووية الأعلى تكلفة وذات مردود اقتصادي أقل.
لكن الأجيال
الجديدة من تكنولوجيا اندماج النووي أصبحت أكثر أمانا عما كان في السابق، ويوجد
بعض الخبراء المؤيدين أن الطاقة النووية ستصبح أرخص في المستقبل وتستطيع منافسة
باقي مصادر الطاقة الأخرى.
الأبحاث على طاقة
الاندماج النووي بدأت في العشرينات من القرن العشرين، واكتشفوا أن هذا الاندماج هو
ما يحدث للشمس ويجعلها مصدر دائم للطاقة، يحدث الاندماج نتيجة ارتفاع عالي في درجة
الحرارة مع ضغط مكثف يتسبب في دمج ذرات الهيدروجين مكونا الهليوم.
في أثناء هذه
العملية تفقد الذرات بعض من كتلتها التي تتحول الى كمية هائلة من الطاقة، هذا
التفاعل أو الاندماج ينتج كمية من الطاقة تعادل أربع مرات كمية الطاقة المستخرجة
من الانشطار النووي، وتعادل 4 مليون مرة كمية الطاقة المستخرجة من حرق الفحم أو
الغاز.
بطريقة أخرى 900
جرام من الوقود الناتج عن الاندماج يعادل 55 ألف برميل من البترول، ميزة هذا النوع
من الوقود انه موجود بوفرة وموجود في كل مكان، كما أن الموجات الاشعاعية عمرها
قصير، لا يوجد إمكانية لوجود رد فعل عنيف في حالة حدوث أي خلل، وبالتالي فهي تحتوي
على نسبة عالية جدا من الأمان.
لكن بعد عقود من
الأبحاث وصرف مليارات الدولارات لم يتوصل العلماء على طريقة تجعل طاقة الاندماج
مستمرة، لكن ما يدفعهم للاستمرار هو أن اعتقادهم الذي يصل الى حد اليقين أن الطاقة
الناجمة عن الاندماج النووي هي طاقة المستقبل.
لكن مع دخول
القطاع الخاص وزيادة الاستثمارات في الأبحاث الخاصة بطاقة الاندماج النووي، ومع
التقدم التكنولوجي في هذا المجال ستصبح طاقة الاندماج النووي قابلة للتنفيذ تجاريا
بحلول عام 2030.
على سبيل المثال
جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون من ضمن المستثمرين في مجال طاقة الاندماج النووي،
وشركة عالمية في جنوب فرنسا تسمى ايتر، والتي تهدف الى بناء أكبر مفاعل نووي في
العالم، وبيل جيتس الذي أسس في عام 2006 شركة تيرا باور وهي شركة لتصميم المفاعلات
النووية والتي تعمل حاليا على بناء 4 مفاعلات نووية، ومن أهم مميزات تلك المفاعلات
زيادة معدل الأمان بحيث في حالة حدوث أي مشكلة طارئة يستطيع المفاعل تبريد نفسه
والرجوع الى حالة الاستقرار دون تدخل عامل خارجي، هذا بالإضافة الى أن المنشأة
النووية تنتج مخلفات نووية بنسبة أقل من 80% عما هو في المنشأت الأخرى
الصين والاتحاد
الأوروبي واليابان والهند وكوريا الجنوبية وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية،
جميعهم اتفقوا على بناء أكبر مفاعل نووي في العالم يسمى توكاماك، يتم بناؤه على
شكل قطعة الدونات، هذا المفاعل سيستخدم تكنولوجيا الدمج عن طريق الطاقة
المغناطيسية. التكلفة المبدئية لانشاء المفاعل حوالي 20 مليار دولار.
حاليا المفاعل
تحت الانشاء، وحجمه سيكون ضعف أكبر مفاعل نووي موجود حاليا، ويهدف لانشاء 500 ميجا
وات من طاقة الاندماج، و50 ميجا وات من الطاقة الحرارية.
الهدف الأساسي من
المشروع ليس انتاج الطاقة فقط، ولكن جعل انتاج طاقة الاندماج النووي منافس تجاريا
مع مصادر الطاقة الأخرى، المفاعل سيتم تشغيله بحلول عام 2035.
معظم المفاعلات
النووية الحالية حول العالم من الجيل الثاني، حاليا يتم بناء الجيل الثالث من
المفاعلات في الولايات المتحدة والصين وروسيا، أما الجيل الرابع وهو الهدف المنشود
في المستقبل سيجعل الطاقة ممكنة اقتصاديا، وارتفاع معامل الأمان وإمكانية لتقليل
المخلفات النووية.
يعتقد الخبراء أن
إمكانية وجود طاقة الاندماج النووي في السوق سيكون في خلال 10 سنوات، وأنه بحلول
عام 2070 ستكون طاقة الاندماج النووي هي المصدر الرئيسي لانتاج الكهرباء في
العالم.
تعليقات
إرسال تعليق