التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الفكر الاقتصادي في العصور الوسطى الأوروبية

العصور الوسطى الأوروبية:
في القرون من التاسع حتى الخامس عشر الميلادية ساد في أوربا التكوين الاجتماعي الاقطاعي، وتتميز طريقة انتاجه التي بدأت في فرنسا ثم انتشرت في انجلترا وباقي مجتمعات أوروبا:
ــ بأن العلاقات الاجتماعية للانتاج تدور أساسا حول الأرض التي تصبح البلورة المادية للملكية العقارية، اذ هي ترتكز على اقتصاد يغلب عليه الطابع الزراعي.
ــ لمن يقومون بالعمل في الانمتاج الزراعي حق استعمال الأرض وشغلها. أما حق ملكيته فهو على درجات لهرم من السادة تحدده التقاليد والعادات.
ــ هذا الأساس الاقتصادي يقابله شبكة من الروابط الشخصية، جزء من العاملين لا يتمتع بكامل حريته الشخصية حيث أنهم أقنان، أما السادة فيرتبط نظام ملكيتهم بنظام من الواجبات يتحمل بها كل منهم في مواجهة من هو أعلى منه.
وتجد طريقة الانتاج هذه جذورها في المجتمع القديم حين بدأ كبار ملاك الأراضي يقاومون سلطة روما عن طريق الاقامة في ملكياتهم العقارية وتوسيع هذه الملكيات بالسيطرة على الملكيات الأصغر والمزارع المهجورة.
في هذا النظام توجد جذور نظام الأقنان، غير أن هذا لا يعني أن القن وجد كنتيجة للتحرر الجزئي للعبد وانما يعني أن فلاحي أوروبا الأحرار باخضاعهم للشريف أصبح لهم هذا المركز الذي وجد في المجتمع العبودي القديم.
يرتبط صعود طريقة الانتاج هذه بتحول كبير في قوى الانتاج وهو تحول تم تحت تأثير الهجرات التي شهدتها الفترة السابقة من الشرق نحو الغرب والتجارة التي لم تنقطع مع مدن البحر الأبيض المتوسط والغزو العربي لجنوب غرب أوروبا. ففي اطار فنون الانتاج الزراعي تمثل هذا التحول في استخدام أحسن للقوة المحركة للمياه الجارية. كذلك استخدام وسائل جديدة تمكن من استغلال أحسن لقوة الجر الحيوانية. كما شهدت أدوات العمل تحسنا تمثل في احلال أدوات حديدية محل الأدوات الخشبية. وكثر استخدام المحراث الثقيل ذي العجلات وذي القلاب مما يمكن من اعداد أحسن للتربة. وادخلت محصولات جديدة، كما حلت الدورة الزراعية الثلاثية محل الثنائية.
كل هذا أدى الى زيادة انتاجية العمل الزراعي، هذه الزيادة تعني انقاص عدد ساعات العمل اللازمة لانتاج كمية معينة من الناتج. وهو ما يؤدي الى أن يقل عدد العمال الذين يحتاجهم الشريف للعمل على أرضه كعبيد أو كعمال صخرة. وقد تحسن المستوى الغذائي مما دفع السكان الى الزيادة.
كانت الوحدة الاقتصادية الاجتماعية الريفية تتمثل في الاقطاعية أو الضيعة، وهي وحدة اقتصادية اجتماعية تقوم على الانتاج الطبيعي وتهدف على الأقل في المراحل الأولى الى الاكتفاء الذاتي. وكلن الانتاج يقوم على الوحدة الانتاجية الصغيرة أي عائلة الفلاح وهي وحدة تختلف عن الوحدة الزراعية الصغيرة التي عاصرت تحلل المجتمع البدائي في مرحلة الانتقال الى المجتمع العبودي. اذ تتميز الوحدة الصغيرة في ظل الاقطاع بارتفاع نسبي في مستوى فنون الانتاج، في هذه الوحدة تكاتفت أدوات الانتاج التي ظهرت في نظام وحدات الاستغلال الزراعي الكبير في العصور القديمة مع مزايا وحدات الاستغلال الصغيرة حيث يوجد لدى المنتج المباشر الدافع للانتاج والقدرة على اتخاذ المبادرة، وهذه هي المرحلة الأولى في سيادة طريقة الانتاج الاقطاعية.
في مرحلة ثانية تؤدي زيادة انتاجية العمل الزراعي الى انقاص عدد ساعات عمل السخرة اللازمة لفلاحة الأرض التي تزرع لحساب الشريف، كما تؤدي الى زيادة الانتاج على الأرض التي يزرعها الفلاحون لحسابهم وكذلك من خلال زيادة المواد الغذائية الى زيادة الانتاج الصناعي المنزلي الذي يقومون به في اطار العائلة. امكانية زراعة الأرض التي تزرع لحساب الشريف بوقت عمل أقل وزيادة انتاجية العمل الزراعي على الأرض التي تزرع لحساب الفلاحين يجعلان من الأفضل للشريف أن يتخلى عن كل الأرض المنزرعة لتزرعها عائلات الفلاحين لحسابهم على أن يحصل هو على جزء من المحصول، أي أنه يحصل على ريع الأرض في شكل عيني. من هذا يظهر الى جانب الريع في شكل عمل الريع العيني الذي ما يلبث أن يصبح الشكل الغالب للريع.
في هذه المرحلة نجد المنتج المباشر وفي حيازته كل شروط العمل ما عدا الأرض التي تمثل في هذا المجتمع وعاء عملية العمل. فالمنتج تسوقه قوة الظروف الاجتماعية بدلا من قوة الاكراه المباشر، يسوقه الالزام القانوني بدلا من السياط يسوقه لتحمل مسئوليته. ويكف الشريف بالتالي عن أن يلعب دورا في عملية الانتاج، تنظيما أو غير غير تنظيمي ويصبح من الطفيليات الاجتماعية.
هذا الريع العيني يفترض دوام الاقتصاد الطبيعي حيث تتحقق شروط الانتاج وتجدد الانتاج كلية أو في الأغلب منها داخل الوحدة الاقتصادية الاقطاعية. حيث يمتزج النشاط الزراعي بالنشاط الصناعي المنزلي للوحدات الانتاجية في داخل هذه الوحدة الاقتصادية. ويكون الناتج الفائض الريع العيني في الواقع نتاج هذا المزيج من العمل الزراعي والعمل الصناعي لعائلة الفلاح بصرف النظر عما اذا كان الشريف يحصل على جزء من الريع في صورة منتجات أو يحصل عليه في صورة منتجات زراعية.
في مرحلة ثالثة مرتبطة بنمو التجارة والمدن وزيادة استخدام سادة الاقطاع للسلع الصناعية، يظهر الى جانب الريع العيني شكل آخر للريع، يظهر أولا بطريقة متناثرة ثم ما يلبث أن يصبح الشكل الغالب للريع ذلك هو الريع النقدي. الريع العيني يتحول الى ريع في شكل نقود. هنا يتخلى المنتج للشريف ليس عن جزء من الناتج وانما عن ثمن هذا الجزء. ولكي يقدم ذلك للشريف يتعين عليه مع بقائه منتجا للجزء الأكبر من المنتجات اللازمة لاعاشته هو وعائلته أن ينتج جزءا من منتجاته في صورة سلع أي منتجات معدة للبيع للسوق. الأمر الذي يعني أن طبيعة طريقة الانتاج في مجموعها تبدأ في التحول وتبدأ الوحدة الاقتصادية الاقطاعية بالتالي في أن تفقد استقلالها عن الوحدات الاقتصادية الأخرى. وذلك رغم استمرار هذا النوع من الريع في الارتكاز على نفس الأساس الذي كان يرتكز عليه الريع العيني. اذ لا يزال المنتج المباشر غير مالك للأرض وعليه أن يتخلى لسيد الأرض عن بعض وقت عمله يخصص لانتاج فائض يذهب للشريف بعد أن يكون قد تحول في السوق الى نقود.
ويرتبط تحول الريع العيني الى الريع النقدي بتطور التجارة تطورا معتبرا وكذلك الصناعة الحضرية وانتاج المبادلة بصفة عامة ومن ثم تداول النقود. كما أنه يفترض أن يكون للسلع أثمان في السوق وأن تقترب هذه الأثمان من قيمها على نحو تقريبي.
يتضح من كل هذا أن من طبيعة طريقة الانتاج الاقطاعية أن يتجزأ المجتمع، يتجزأ أفقيا بين اقطاعيات تمثل وحدات اقتصادية شبه مستقلة، بل وتتجزأ الوحدة الاقتصادية الواحدة بين وحدات انتاجية صغيرة، ويتجزأ المجتمع رأسيا في شكل سلسلة من علاقات التبعية تجعل من المتعذر ان لم يكن من المستحيل أن يكون للمجتمع مركز.
وصول طريقة الانتاج هذه الى حدودها في القرن الثالث عشر كان اعلانا لأزمة الاقطاع التي لم يفق منها والتي امتدت حتى القرن الخامس عشر لتصبح أزمة تفككه مع تطور طريقة الانتاج في داخل الزراعة نفسها، وتطور طريقة أخرى للانتاج لا ترتكز مباشرة على الأرض وانما على الانتاج الصناعي الحضري كانتاج للمبادلة النقدية يجد مركزه في المدينة.
وقد قام التنافس بين التجار وأرباب الحرف ولكن مع أهمية ازدياد أهمية المنتجات الحرفية في التجارة وتوسع هذه الأخيرة بدأ التجار في السيطرة على النشاط الصناعي الأمر الذي لم يمنع بعض التجار من أن يتحولوا الى أرباب صناعة ولا بعض أرباب الحرف من أن يقوموا بالانتاج للسوق مرتبطين به بطريق مباشر.
كان هناك طبقة تملك وتحكم وأخرى لا تملك ولا تحكم وانما تعمل هي الطبقة العاملة، ويقوم هذا التكوين الطبقي على التناقض بين هاتين الطبقتين، هذا التناقض يصبح فيما بعد العلاقة الديالكتيكية الأساسية في التكوين الاجتماعي الرأسمالي.
على هذا النحو نشهد نمو انتاج المبادلة البسيط في أحضان التكوين الاجتماعي الاقطاعي في ريفه وفي مدنه، ومع تطور هذا النوع من الانتاج من خلال التناقض بين الطبقة الاقطاعية وطبقة الفلاحين من جانب وبين طبقة التجار والحرفيين من جانب آخر، ولد التمييز الاجتماعي في داخل الفلاحين الاكثر انتعاشا المرتبطين مباشرة بالسوق والأفقر من الفلاحين، وكذلك بين أرباب الحرف المرتبطين مباشرة بالسوق والعمال الحرفيين. تلك هي روابط الانتاج الرأسمالية التي تنمو جنينا من خلال أزمة تفكك الاقطاع.
أما الفكر الاقتصادي فقد ولد في أحضان الفكر اللاهوتي وقد دار هذا الفكر حتى القرن الرابع عشر حول فكرتين أساسيتين:
ـــ ادانة الفائدة على أسس تشبه تلك التي قدمها أرسطو.
ـــ فكرة الثمن العادل حيث يوجد لكل سلعة ثمنا عادل يرتكز أساسا على نفقة الانتاج، وقد اهتم المدرسيين بهذه الفكرة

وقد شهدت الفترة الأخيرة من القرن الرابع عشر من فكر المدرسيين ارهاصات فكر اقتصادي ينشغل بقضايا القيمة والأثمان، ينشغل بمشكلات النقود وخاصة النقود المعدنية بمشكلات التبادل مع الخارج وبالتحركات الدولية للذهب والفضة، كما ينشغل بالفائدة والربح. ولكنها مشكلات تتعلق بظواهر تنتمي الى كريقة الانتاج الرأسمالية الوليدة التي بدأت تفرض وجودها والتي شهدت فيما بعد مع قيامها وتطورها مولد علم الاقتصاد السياسي وتطوره.

تعليقات

  1. اسئلة حول البحث

    ردحذف
  2. لو سمحتم بدي بحث او خطة بحث حول تاريخ الفكر الاقتصادي في العصور الوسطى الالم الغربي اروبا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية الانتاج

نظرية الانتاج ـ الانتاج يتمثل في الجهد الانساني الذي يبذل لجعل الموارد الاقتصادية صالحة لاشباع الحاجات الانسانية، وهو جهد يتضمن علاقة مزدوجة. علاقة بين الانسان والطبيعة، وعلاقة بين الانسان والانسان. ـ تتطلب عملية الانتاج توافر العناصر الآتية: القوة العاملة وأدوات العمل وموضوع العمل. ـ تضم نظرية الانتاج موضوعات عديدة أهمها: عناصر الانتاج وكيفية التأليف بين هذه العناصر وأشكال المشروعات القائمة الانتاج، واتجاهات هذه المشروعات. ـ عناصر الانتاج وتسمى أيضا عناصر المشروع هي الموارد التي يستخدمها المجتمع في انتاج ما يحتاجه من سلع وخدمات، عناصر الانتاج أربعة: الطبيعة والعمل ورأس المال والتنظيم. ـ الموارد الطبيعية كعنصر من عناصر الانتاج هي كافة هبات الطبيعة التي لم يوجدها عمل انساني سابق ولا حاضر والتي تمكن الانسان من انتاج السلع والخدمات التي يحتاجها لاشباع حاجاته. ـ الطبيعة عنصر سلبي في الانتاج. ـ هناك عدة عوامل اساسية تحكم مدى كفاية الموارد الطبيعية لحاجة الانسان اليها للقيام بنشاطه الانتاجي وهي على سبيل الحصر: 1-                     ثبات معالم الطبيعة الأساسية. 2-     

خصائص التخلف

خصائص التخلف تنقسم خصائص التخلف الى خصائص مادية أو اقتصادية وخصائص غير مادية أو تخلف البنيان الاجتماعي وسيتم تناولهم وفقا لما يلي:- أولا: الخصائص المادية للتخلف:- تتمثل الخصائص المادية للتخلف في اختلال العلاقة بين الموارد البشرية والمادية واختلال الهيكل الانتاجي والبطالة المقنعة واختلال هيكل الصادرات. 1- اختلال العلاقة بين الموارد البشرية والمادية:- هذه الخاصية ترجع الى عاملين أساسيين هما الانفجار السكاني وانخفاض مستوى التراكم الرأسمالي. ·         الانفجار السكاني:- تواجه الدول المتخلفة بلا استثاء انفجارا سكانيا وان اختلفت درجته وحدته , ويرجع ذلك الى العديد من العوامل منها تحسن وسائل وأساليب الصحة العامة مما يترتب عليه انخفاض شديد في الوفيات مع بقاء معدل المواليد عند مستوى مرتفع. تتميز الدول النامية بتركيب سكاني معين يمثل فيه صغار السن أهمية نسبية كبيرة حيث تزيد نسبة صغار السن في الدول النامية عن 40% بينما هي في الدول الأوروبية تتراوح بين 20-25% فقط وينتج عن ذلك انخفاض حجم القوة العاملة بالمقارنة بالبلدان المتقدمة. يؤدي الانفجار السكاني في الدول النامية الى أن ت