صناعة الهيدروجين الأخضر واستخدامه وقود للسيارات
البشرية حاليا تواجه حرب شاقة وعسيرة للمحافظة على استمرارية الكوكب، ولكي نتجنب الآثار الناتجة عن التغيرات المناخية يقول الخبراء أننا نحتاج الى تخفيض درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية والرجوع الى مستويات عصر ما قبل الصناعة، وحتى نصل الى الهدف المنشود لابد من وصول درجة انبعاث الكربون على مستوى العالم الى الزيرو بحلول عام 2050.
بالتالي هناك عدة
حلول لتحقيق الهدف، أحد هذه الحلول هو الهيدروجين الأخضر، والذي يتم انتاجه من
مصادر الطاقة المتجددة، ويتميز الهيدروجين الأخضر بعدم وجود انبعاثات كربون أثناء
حرقه، وبالتالي يمكن استخدامه في كثير من الصناعات كوقود مثل صناعات الصلب
والصناعات الكيماوية وكوقود للسيارات خاصة سيارات النقل.
كما يمكن استخدام
الهيدروجين الأخضر في تدفئة المنازل وتخزين الكهرباء الناتجة من مصادر الطاقة
المتجددة.
الهيدروجين عنصر
نشط لا يمكن ايجاده حر في الطبيعة، ولكنه دائما متحد مع عناصر أخرى، على سبيل
المثال الماء عبارة عن ذرتين هيدروجين وذرة أكسجين، وللحصول على الهيدروجين لا بد
من فك الارتباط واستخلاص الهيدروجين، ولكنها عملية تستهلك كثير من الطاقة، على
الرغم من ان الهيدروجين ذرة نظيفة خالية من الكربون، الا أن معظم الهيدروجين
المنتج تم انتاجه من الوقود الحفري.
انتاج الهيدروجين
من الوقود الحفري مسئول عن إطلاق 843 طن مكعب من ثاني أكسيد الكربون كل عام، وهذا
يعادل كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من دولة اندونيسيا وبريطانيا معا.
من هنا ظهرت
الحاجة الى الهيدروجين الأخضر لتقليل الانبعاثات الكربونية، لكن تكنولوجيا انتاجه
مازالت مرتفعة، على الرغم من أن تكلفة انتاجه دائما في الانخفاض الا أن هناك مزيد
من العقبات، أولها عدم تجهيز البنية التحتية للدول من خلال النقل والتخزين، وحقيقة
أن خلايا الوقود التي تحول الهيدروجين الى وقود سيارات مازال سعرها مرتفع، لكن
بحلول عام 2050 هناك احتمالية وصول سوق الهيدروجين الى 2.5 تريليون دولار وهذا
بالطبع نتيجة التغلب على المشكلات أو التحديات التكنولوجية.
يتم انتاج
الهيدروجين بعدة طرق مختلفة، وقام الخبراء بتصنيف الهيدروجين وعملية انتاجه حسب
مصادر انتاجه، مثلا الهيدروجين المستخلص من الفحم يسمى الهيدروجين البني، أما
الهيدروجين الرمادي يتم استخلاصه من الغاز الطبيعي، أما الهيدروجين الأزرق يتم
انتاجه عن طريق تكنولوجيا حبس الكربون وتخزينه، ويوجد طريقة أخرى لإنتاج
الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي، والجهاز المستخدم في عملية الإنتاج يسمى
الكتروليزر، حيث يفصل المركب من عناصره المكونة له باستخدام التيار الكهربائي، وفي
هذه الحالة المركب المستخدم هو الماء، والذي يتم فصله الى هيدروجين وأكسجين، عند
الحصول على كهرباء مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يكون
الهيدروجين المنتج أخضر.
حاليا يتم
استخدام الهيدروجين في كثير من الصناعات مثل تكرير البترول وصناعة الأمونيا،
وصناعة الميثانول، وصناعة الصلب. ومع تقدم تكنولوجيا انتاج وتخزين الهيدروجين
الأخضر أصبح هناك مطالبات عالمية باستعمال الهيدروجين الأخضر في الصناعة بديلا عن
الأنواع الأخرى التي تنتج ثاني أكسيد الكربون.
قادة الاتحاد
الأوروبي جزء من عملية التحول الى الطاقة الخضراء، حيث وافقوا على انفاق تريليون
دولار من أجل مبادرات الطاقة الخضراء في العشر سنوات القادمة، نصف ذلك المبلغ موجه
الى انتاج الهيدروجين الأخضر، كما تعمل الصين على زيادة انتاجها من الطاقة الخضراء
وتحويل اسطول من السيارات الى استخدام الهيدروجين كوقود بدلا من الوقود التقليدي.
كوريا الجنوبية
واليابان ازداد تركيزهما في الآونة الأخيرة على تكنولوجيا خلايا الوقود لاستخدام
الهيدروجين كوقود للسيارات. الرئيس الأمريكي جو بايدن تعهد أيضا بمحاربة التغيرات
المناخية.
في أكتوبر 2020
وزارة الطاقة الأمريكية أعلنت عن نيتها انفاق 100 مليون دولار في تكنولوجيا انتاج
الهيدروجين الأخضر والأبحاث المتعلقة بتكنولوجيا خلايا الوقود.
الصناعة الأولى
التي تحتوي على نسبة هائلة للتحول الى الهيدروجين هي صناعة النقل، حيث يمكن
للهيدروجين أن يكون بديل مباشر للبنزين والغاز، ولها بعض المميزات عن السيارات
الكهربائية، لان الهيدروجين حامل للطاقة وليس مصدر للطاقة، حيث يتحول وقود
الهيدروجين الى كهرباء عن طريق جهاز يدعى سل ستاك، لكن ما هو الفرق بين استخدام
الهيدروجين كوقود للسيارات واستخدام البطاريات مثل سيارات تسلا؟ أولا سيارات الهيدروجين
يتم تفويلها أسرع بكثير من شحن بطاريات السيارات الكهربائية، حيث سيارات
الهيدروجين تحتاج الى 5 دقائق لملئ الخزان أم البطارية فتحتاج الى 45 دقيقة
لشحنها، ثانيا الهيدروجين افضل خمس مرات من البطارية من حيث تخزين الطاقة والحجم
والوزن، وبالطبع يعطي مساحة أكثر داخل السيارة للركاب، ثالثا المسافة المقطوعة
بسيارات الهيدروجين في التفويلة الواحدة أكبر بكثير من المسافة المقطوعة باستخدام
البطارية.
يوجد محاولات
لاستخدام الهيدروجين كوقود للطائرات والسفن، حيث استعمال بطارية لمثل هذه الأحجام
لن تكون عملية وستكون غير ملائمة.
لكن استخدام
الهيدروجين كوقود في مازال منخفضا حيث في نهاية عام 2019 كان يوجد على الطريق
حوالي 18 ألف سيارة تسير بوقود الهيدروجين، بالمقارنة بالسيارات الكهربائية حيث
كان مجموعها حوالي 7.2 مليون سيارة.
حاليا يوجد ثلاث
شركات تستخدم الهيدروجين كوقود للسيارات هوندا وهيونداي وتويوتا، وسعر السيارة
حوالي 60 ألف دولار، وهذا السعر ضعف ثمن سيارة تسير بالبطارية.
شركة هيونداي
وتويوتا مع شركتها التابعة هينو المختصة بصناعة الشاحنات يعملوا على تصنيع
الشاحنات التي تستعمل الهيدروجين كوقود، كما أن شركة توتال الفرنسية استثمرت مؤخرا
في انتاج خلايا وقود الهيدروجين للشاحنات والأتوبيسات، كما أعلنت شركة نيكولا عن
انتاج شاحنات تسير بخلايا وقود هيدروجينية بحلول عام 2023.
لكن في شركة
وحيدة غير مقتنعة بتصنيع خلايا الوقود الهيدروجينية للشاحنات وهي شركة تسلا التي
تعمل على تصنيع شاحنات كهربائية والذي بدء انتاجها في عام 2021، كما أن رئيس
الشركة التنفيذي ايلون ماسك وصف استعمال تكنولوجيا خلايا وقود الهيدروجين بالغباء
المحير أو نقدر نقول ودنك منين يا جحا.
الذي ساعد على
عدم انتشار الهيدروجين كوقود هو قلة المحطات التي تبيعه، مع عدم جاهزية البنية
التحتية للدول، عالميا يوجد حوالي 407 محطة تقدم الهيدروجين كوقود، الأغلبية
موجودة في أوروبا ثم أسيا ثم أمريكا الشمالية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية
يوجد حوالي 40 محطة.
كيلوجرام من
الهيدروجين تساوي نفس كمية الطاقة المستخرجة من جالون بنزين والجالون يساوي 3.7
كيلوجرام، كما أن الهيدروجين أكثر كفاءة بنسبة ثلاث مرات من استعمال البنزين، لكن
تكنولوجيا انتاج الهيدروجين مازالت مرتفعة وبالتالي هي صناعة تحتاج الى دعم من
الدول لتمويل أبحاثها وتخفيض تكلفتها وبالتالي استخدامها على نطاق تجاري.
استطاعت شركة كوبوجين على اختراع مادة جديدة لتخزين
الهيدروجين، حيث يمكن عن طريق تلك المادة تخزين أربع أو خمس أضعاف كمية الهيدروجين
لنفس المساحة، وتقليل التكلفة بأكثر من أربع مرات.
الميزة الأهم في الهيدروجين انه قادر على تخزين الطاقة
المستخرجة من مصادر الطاقة المتجددة، وهو الطريقة الأمثل لتخزين الطاقة لمدة طويلة
بعكس بطاريات الليثيوم.
شركة ميتسوبيشي للكهرباء تعمل على بناء مشروع في يوتاه
بالولايات المتحدة لتخزين الف ميجاوات من الطاقة النظيفة، جزء من تلك الطاقة سيتم
تخزينها عن طريق الهيدروجين الملح، وسيدخل المشروع قيد التشغيل في عام 2025، هذا
المشروع يعتبر أكبر مشروع على مستوى العالم لتحويل الطاقة النظيفة الى هيدروجين، وسيتم
تخزين ذلك الهيدروجين في قمم من الملح لمدة طويلة يتم الاستعانة به وقت الحاجة، المشروع
سيعمل على انتاج الكهرباء من خلال التوربينات التي سيتم تشغيلها بنسبة 30% من
الهيدروجين و70% من الغاز الطبيعي، وبحلول عام 2045 سيكون المشروع بالكامل يدار
بالهيدروجين الأخضر. المرحلة الأولى للمشروع هي انتاج 150 ألف ميجاوات بالساعة.
طبقا للمحللين والخبراء في مجال الطاقة سيصل استهلاك
الهيدروجين الأخضر في عام 2050 الى 22% من كامل انتاج الطاقة من جميع المصادر.
وحتى يستطيع الهيدروجين الأخضر تغطية ربع الاستهلاك العالمي من الطاقة لابد من
استثمارات تقدر بـ 11 تريليون دولار في البنية التحتية لتخزين الطاقة والنقل.
تعليقات
إرسال تعليق