نفط بالسالب وشركة مغمورة تكسب 660 مليون دولار في يوم واحد
في 20 أبريل من عام 2020 وقع حدث عظيم في الأسواق البترولية، بكل بساطة السوق انهار واتجه لمنطقة السالب، البترول يباع بالسالب، ووصل في نهاية هذا اليوم الى سالب 38 دولار، بينما في مكان يدعى ثايدون بويس بمقاطعة اسسكس ببريطانيا، في شركة مكونة من 9 أشخاص يرأسهم شخص اسمه كادلز، ربحوا أكثر من 660 مليون دولار في خلال عدة ساعات. قد لا يستغرب الناس إذا انهار سعر البترول ووصل الى الصفر، لكن السعر يصل الى سالب 38 دولار للبرميل الواحد، لم يكن أحد أن يتخيل أو يتوقع حدوث ذلك الانهيار. وحينما حدث ذلك كثير من الناس قالوا هناك مؤامرة ما تلوح في الأفق سيكشف عنها السوق في الأيام المقبلة.
بعد الانهيار
بشهرين ظهر في السوق شركة صغيرة مغمورة في بريطانيا عملت أرباح هائلة في يوم 20
ابريل الدامي على سوق البترول، أرباح وصلت لأكثر من 660 مليون دولار وهي أرباح
خيالية بالنسبة لشركة صغيرة مقارنة بأرباح مبيعات شركة عالمية مثل أبل.
هل استطاعت تلك
الشركة الصغيرة التنبؤ بحدوث ذلك الانهيار وتحديد اليوم المقرر فيه حدوث الانهيار؟
أم هناك اتصالات خفية تصل الى حد التلاعب بقوانين السوق؟ أم هناك مؤامرة خفية لا يعلمها السوق؟ ومن هنا بدأت التحقيقات في كيفية تحقيق ذلك
الربح.
بول كومين هو
تاجر بدأ تجارة المراهنات من نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وكانت شهرته كادلز،
في هذا الوقت كانت تتم الصفقات بالصياح أو إعطاء إشارات باليد ومتابعة الأسعار
وحجم التداول وكتابتها وتسجيلها ورقيا.
ثقافة التداول في
ذلك الوقت تأثرت بثقافة التجار أو السماسرة المتعاملين فيها، لم يكن هؤلاء
السماسرة مثل موظفي البنك خريجين أوكسفورد وكامبريدج لم يرتدوا البدل الأنيقة
كانوا عبارة عن تجار يمتلكون موهبة التجارة، جاء معظمهم من مقاطعة اسكس ببريطانيا،
وكان مجموعهم حوالي 400 تاجر أو سمسار وكان من بينهم كادلز، الذي كان من أشهر
ثلاثة سماسرة يتعاملون مع عقود الزيت والغاز في قاعة المراهنات واستطاع فعليا أن
يحقق أرباح هائلة في مرحلة شبابه، لكن مع التطور ودخول الأسواق مرحلة المكننة،
أغلقت صالة المراهنات 2005.
ــ وحينما أغلق
هذا النوع المن المضاربات، كثير من التجار والسماسرة خسروا وظائفهم وبالتالي
اتجهوا الى إيجاد فرص عمل جديدة في المؤسسات المالية، ما عدا بول كومين أو كادلز
الذي قرر بدء عمل تجاري خاص به في مقاطعة اسكس، وفي فترة قصيرة استطاع أن يقنع
مجموعة من التجار لا يزيد عددهم عن 9 للعمل معه في شركته الجديدة.
اختياره لمنطقة
ثايدون بويس بمقاطعة اسسكس لبدء تجارته الجديدة كان يرجع لعدة عوامل منها أن تلك
المنطقة يعيش بها أصحاب الثروات، ولا يعيش فيها الا أصحاب الدخول العالية، كما
أنها تبعد مسافة عشرون دقيقة بالمترو عن المدينة.
تم تأسيس الشركة
فعلا وكان اسمها فيجا كابيتال لندن، وكانت أهم رابح من الانهيار العظيم لأسعار
البترول، طبعا أي شخص متخصص متابع لحركة السوق يعتقد أن شركة تكسب هذا الكم من
الأرباح فانها ستكون بحجم شركة بي بي أو شركة جلينكور للبترول، لكن المفاجأة كانت
شركة صغيرة مغمورة مكونة من عدة أشخاص لا يزيد عدهم عن 9 أشخاص.
كان من أكبر
التحديات للمحققين هي معرفة الشركات التي تتعامل مع شركة فيجا كابيتال، الأمر لم يكن
معروفا في البداية، ان دخلت موقع الشركة الالكتروني، سنجد أنه مازال تحت الانشاء،
لو أجريت بحث على النت لن تجد أي معلومات عن الشركة أو المتعاملين معهم.
الغريب في الأمر،
أن الشركاء كانوا اجتماعيين، اذا كان هناك حفل زفاف يذهبون معا، حتى في لعبة
الجولف يلعبون معا، يقضون الإجازة معا، وجميعهم أعضاء في نادي وست هام يونايتد
الإنجليزي، البعض منهم أنشأوا شركات مع بعض، وبالتالي هم ليسوا أصحاب شركات كبيرة
تم دمجها للتأثير على السوق أو حتى يديرون صناديق استثمارية، بالعكس كانوا مجموعة
من الأشخاص ليس لهم علاقة بالشركات المؤثرة في السوق وفجأة في يوم واحد كسبوا هذا
الكم الكبير من الدولارات.
لو انت تاجر في
البورصة أو متابع للبورصات وخاصة بورصة البترول ستجد أنه هناك نوع من عقود البترول
يسمى بالعقود الآجلة، وهو بكل بساطة عقد يلتزم به المشتري على شراء البترول على
سعر معين في وقت معين، او أن البائع سيقوم بتسليم براميل البترول في المستقبل عند
سعر معين، وبالتالي هو عقد مالي، ظاهره المقامرة والتنبؤ، عما اذا كان سعر البترول
سيرتفع أو ينخفض في المستقبل.
في يوم 20 ابريل
من عام 2020 كان يوجد مجموعة من المؤشرات تدل على ان هذا اليوم سيكون استثنائي في
سوق البترول، ما حدث بكل بساطة أن التجار قاموا بتعهد بشراء عقود بترول آجلة عند
أي سعر عند نهاية التداول وذلك عند الساعة 2.30 مساء بتوقيت لندن، وبالتالي هؤلاء
التجار راهنوا على انهيار سعر البترول في نهاية ذلك اليوم، بينما كان التوقيت بين
1.30 و2، تدفق مجموعة كبيرة من البائعين والمشترين لعقود البترول، أو نستطيع أن
نقول مجموعة من المقامرين، وارتفع حجم التداول على عقود البترول، وبمجرد وصول
الساعة 2.08 بالضبط شيء غريب وغير مسبوق حدث لسوق البترول، وهو ان سعر البترول
اتجه الى المنطقة السالبة مسجلا سالب 38 دولار للبرميل، وبالتالي كانت أرباح
الشركة كل الفجوة السعرية ما بين سالب 38 وصولا الى المنطقة الموجبة.
هذا النوع من
الانهيار السعري لم يحدث من قبل في سوق البترول على مدار التاريخ، لان لن يستطيع
أحد أن يتوقع ذلك الانهيار مهما بلغت درجة متابعته لسوق البترول، لكن وجد المحققين
في شركة كادلز أن الشركة من النوع المغامر الذي يتخذ قرارات فيها نسبة عالية جدا
من الخطورة، واحد من ضمن الشركاء سنه لا يتعدى 22 عاما وفي يوم واحد ربح أكتر من
100 مليون دولار
لكن أكبر
الخاسرين في ذلك اليوم هم المستثمرين في صناديق البترول، كما خسرت السعودية
والكويت الكثير من الدولارات في ذلك اليوم.
شركة المحاماه
الممثلة لشركة فيجا كابيتال أصدرت بيان كان فحواه أنه لم توجه أي تهم جنائية لشركة
فيجا كابيتال، وان أرباحهم من عقود البترول الآجلة كان نتيجة لتوقعاتهم وقرارهم
باتخاذ المخاطرة أن ذلك ما سيحدث في سوق البترول بناء على معرفتهم ودراستهم للسوق.
لكن قد يظهر في
المستقبل أدلة على تلاعب الشركة بالسوق، لكن حتى ذلك الحين فنحن نتعامل مع شركة
مغمورة أصبحت من كبار مؤثري سوق البترول بين ليلة وضحاها.
تعليقات
إرسال تعليق