تكنولوجيا تحويل المخلفات الى طاقة
تنتج المجتمعات كثير من المخلفات، حوالي 2 مليار طن من المخلفات سنويا، ويتوقع أن ينمو هذا الرقم بنسبة 70% بحلول عام 2050.
المواد العضوية
في مقالب القمامة تتحلل، وتنتج غاز الميثان الذي يعتبر من الغازات الدفيئة القوية
المتسببة للاحتباس الحراري.
تحتوي البقايا
الصلبة، والبلاستيك والورق والكرتون، على كمية كبيرة من مصادر الطاقة مثل الكربون
والهيدروجين، من هنا جاء التساؤل لماذا لا نستفيد من تلك المخلفات؟
تحويل المخلفات
الى طاقة ليست فكرة جديدة، قديما كان يتم حرق المخلفات في المحرقة للحصول على بعض
الطاقة، لكن هذه العملية كانت تحتوي على كثير من العيوب والعوائق، حيث ينتج عن
عملية الحرق رماد ومواد سامة ومواد كيميائية خطيرة يطلق عليها دايكسنس، كما أن
كمية الحرارة والكهرباء الناتجة ليست كبيرة بالقدر الكافي، لكن الحل يكمن في عملية
التغييز أو gasification وهي عملية
تحويل المخلفات الى غاز دون حرقها، وهي تكنولوجيا قديمة تم استخدامها للتخلص من
المخلفات.
شركات التحويل
للغاز لا تحرق المخلفات، ولكنها تحولها الى غاز عن طريق عملية اقتصادية وصديقة
للبيئة، حيث يمكن استخدام ذلك الغاز في انتاج مزيد من المنتجات الصالحة للاستخدام،
مثل الكهرباء والهيدروجين، ووقود الديزل، والاأسمدة، وبعض المواد الكيميائية.
من ضمن رجال
الأعمال الذين اقتحموا مجال تحويل المخلفات الى غاز بيل جيتس، الذي قام بتمويل
العديد من شركات الطاقة، منها شركة بريك ثرو للطاقة.
في الماضي شركات
التغييز كانت تعاني من عدم إمكانية انتشار منتجاتها على نطاق واسع، لكن حاليا
شركات سييرا وانركن وبلاسكو أبدوا استعدادهم لاستخدام المنتجات الناتجة من عملية
التغييز على نطاق تجاري.
تم بناء أول
مؤسسة لجمع وحرق النفايات في عام 1874 في نوتنجهام بانجلترا، ومثلها مثل المحارق
الموجودة حاليا فهي تحول النفايات الى رماد وغاز وحرارة نتيجة عملية الاحتراق.
في البداية كان
المقصود هو تقليل كمية المخلفات، وفي النهاية بدأت إنجلترا وألمانيا الى تحويل تلك
المخلفات الى طاقة، الا أن تلك الفكرة لم تجد ترحيب بالولايات المتحدة في البداية،
حيث أن أسعار الكهرباء كانت متدنية، كما أن أسعار المحارق كانت باهظة بالمقارنة
بمقالب القمامة.
لكن بعد حظر
تصدير البترول العربي والذي نتج عنه أزمة في الطاقة عام 1970، اهتمت الولايات
المتحدة بتكنولوجيا تحويل المخلفات الى طاقة، حيث تم بناء 100 محرقة للمخلفات، لكن
عندما انخفضت أسعار الوقود تتضاءل الاهتمام بتلك المحارق واهمالهم، حاليا يوجد 71
محرقة تعمل على تحويل البقايا والمخلفات الى طاقة، ومازالت عدد المحارق في انخفاض.
عالميا، العديد
من الدول الأوروبية مازالت تعتمد بشكل رئيسي على المحارق، كما تتسارع الصين
واليابان في بناء العديد من المحارق، لكن المناصرين للبيئة يعتقدون في وجود حل
أفضل للتخلص من النفايات.
ينتج عن المحارق
ملوثات خطرة، خاصة في الدول التي بها قوانين متراخية حول الاضرار بالبيئة.
حرق النفايات
ظاهريا عملية رخيصة التكاليف، لكن على المدى الطويل تأثيراتها الصحية مخيفة، لذا
لجأت مجموعة من الشركات الى طريقة أخرى وهي تغييز النفايات، هي تقنية قديمة
لمعالجة النفايات لكن أنظف وأقل خطورة، كما أنها اقتصادية.
في عملية التغييز
لا يتم حرق النفايات، وبالتالي لا ينتج أدخنة أو ملوثات يتم اطلاقها في الهواء، بدلا
من ذلك يتم استخدام كمية كبيرة من الأكسجين أو البخار ويتفاعل مع البقايا أو
النفايات، محولا إياها الى خليط غازي من أول أكسيد الكربون والهيدروجين وعناصر
أخرى.
الغاز المنتج له
استخدامات أخرى بخلاف انتاج الكهرباء، حيث يمكن تحويله الى منتجات عالية القيمة
مثل وقود الديزل، وقود الهيدروجين، والايثانول.
وبالتالي حتى وان
ظلت أسعار الكهرباء متدنية سيظل هناك سوق للمنتجات الجديدة، كما يمكن استخدام ذلك
الغاز في الصناعات الكيماوية وفي انتاج الميثانول والوقود الحيوي.
شركة سييرا
للطاقة تم انشاؤها في عام 2004 بكاليفورنيا، مايك هارت الرئيس التنفيذي للشركة وفي
نفس الوقت هو الرئيس التنفيذي لشركة سييرا للسكك الحديدية، كان يسعى الى تحسين
كفاءة الوقود المستخدم لتسيير القطارات، حيث كان يسعى الى تصنيع وإنتاج الوقود
الخاص لقطاراته.
اشترى مايك هارت
براءة اختراع لتكنولوجيا حرق النفايات وتحويلها الى طاقة، ومن هنا تم انشاء شركة
سييرا للطاقة، الا أنه مع مرور الوقت أدرك ان تلك التكنولوجيا تزيد من الانبعاثات
الكربونية وبالتالي تؤدي الى تغير المناخ.
حينما نرمي 1 طن
من النفايات فهذا يعادل 6.2 طن من ثاني أكسيد الكربون يتم اطلاقه في الغلاف الجوي
على هيئة غاز ميثان، والذي يعتبر أقوى 86 مرة في تأثيره على المناخ من ثاني أكسيد
الكربون على مدى 20 عام.
من هنا لجأت
سييرا الى تكنولوجيا جديدة لمعالجة تلك المشكلة، حيث تم ضخ 33 مليون دولار من قبل
بيل جيتس لتمويل الأبحاث الجديدة، ودخل عدد من المستثمرين في تمويل التكنولوجيا
الجديدة وأبحاثها أيضا مثل مارك بينيوف وجيف بيزوس، وريتشارد برانسون.
عقدت شركة سييرا
بعد ذلك شراكة مع وزارة الدفاع الأمريكية لتنمية أول مشروع يتم استخدامه على نطاق
تجاري في فورت هنتر لجت في كاليفورنيا، هذا المشروع التجريبي يعالج 20 طن من
النفايات يوميا، وتم إطلاق المشروع رسميا في عام 2020.
لكن حوالي 10% من
النفايات لا تتحول الى غاز وبالتالي يتم تحويلها الى حجارة يمكن استخدامها في
عمليات البناء. كما أن 20% من الوقود المنتج يتم استخدامه لإدارة المشروع.
تخطط الشركة في
خلال الأعوام القادمة على خلق نظام يمكنه معالجة النفايات بمقدار 50 طن يوميا،
وهذا الرقم يعادل تقريبا بقايا ومخلفات 50 ألف شخص.
يوجد أيضا شركتين
رائدتين في هذا المجال، هما شركة بلاسكو لتكنولوجيا التحويل، وتم تأسيسها في عام
2005، وشركة انيركن وتم تأسيسها في عام 2000.
ومثل شركة سييرا
تهدف الشركتين الى تحويل النفايات الى منتجات عالية القيمة من خلال عملية التغييز.
على عكس شركة
سييرا تمتلك الشركتين مزيد من التكنولوجيا والخبرة في ذلك المجال، حيث تستعمل شركة
بلاسكو تقنية البلازما لتنقية النفايات وتكريرها أثناء عملية التغييز لخروج غاز
تصنيعي نقي.
الشركة أدارت
مشروع ضخم بمدينة أتوا بداية من عام 2008 حتى عام 2015، وتعالج نفايات بمقدار 135
طن يوميا، وقد تحصلت الشركة على موافقة نهائية لبناء منشأة يتم استعمالها على نطاق
تجاري، وعلى الرغم من حصول الشركة على تمويل بقيمة 300 مليون دولار، الا أن
التمويل لم يكن كافيا ولم يتم بناء المشروع، وتم غلق المشروع التجريبي، وقطعت أتوا
علاقتها مع الشركة.
ظلت الشركة تعاني
لفترة طويلة حتى ظهرت مرة أخرى بخطة جديدة للسوق، حيث أدركت الشركة أنها لن تستطيع
منافسة الغاز الطبيعي في انتاج الكهرباء، وبالتالي اتجهت الشركة لإنتاج الوقود
بدلا من الكهرباء.
يوجد شركة أخرى
وهي انيركن، وهي أول شركة طورت مشروع لإنتاج الوقود الحيوي على مستوى تجاري في
العالم، يقع المشروع في كندا والشركة تديره منذ عام 2014، والشركة تركز حاليا على تحويل
النفايات الى ايثانول ومواد كيماوية مثل الميثانول، وتستطيع تلك المنشأة التعامل
مع مائة ألف طن من النفايات سنويا، وحوالي 300 طن يوميا، وهذا معناه إدارة مخلفات
لمجتمع تعداده من نصف مليون الى 700 ألف نسمة.
تستخدم الشركة
نوع من التكنولوجيا اسمها fluidized bed
gasifier أو تغييز الطبقة السائلة، حيث يتم القاء
النفايات في بوتقة بها رمل ساخن وأكسجين وبخار.
الخليط يتسبب في
تسخين النفايات ويحولها في الحال الى غاز، الذي يستخدم في صناعة الوقود الحيوي
والمواد الكيماوية.
تعليقات
إرسال تعليق