هيمنة الرأسمالية على الصناعة البترولية
رأت الإدارة
الأمريكية في بترول المنطقة العربية مصدرا متاحا، لأنه الأقل تكلفة على المستوى
العالمي، وتخلت الولايات المتحدة عن الذهب كاحتياطي لعملتها عام 1971. وأصبح
البترول أهم دعائم سعر صرف العملة الأمريكية وذلك باعتبار أن الدولار هو العملة
المعتمدة في سوق البترول العالمي، الأمر الذي يتيح للخزانة الأمريكية طبع وطرح ما
تشاء من أوراق نقد دون غطاء.
استطاعت أمريكا نتيجة الصدمة البترولية الأولى عام 1973 تحقيق أهداف
متعددة منها، احداث أزمة تؤدي الى ارتفاع أسعار البترول، حيث أصبحت شركاتها
البترولية متحكمة بمعظم الإنتاج والتصدير والتسويق في العالم.
سمحت زيادة أسعار البترول بتحويل جزء من الاستثمارات البترولية الأمريكية
والدولية الى الاستثمار في الولايات المتحدة المرتفع التكاليف، كما قللت من قدرة
التنافسية لمنتجات الصناعات اليابانية والأوروبية وذلك برفع تكلفتها، وجعلت
الولايات المتحدة الممون الرئيسي لليابان وأوروبا.
أدت الزيادة
في أسعار البترول الى زيادة الطلب على الدولار الأمريكي، أي أن زيادة أسعار
البترول كانت دعما للدولار وللاقتصاد الأمريكي، في وقت كانت فيه دول العالم تفكر
بالعمل على اضعاف الدولار.
كذلك تم
إعادة تدوير البترودولار من خلال استقبال عوائد البترول العربي والايراني في
البنوك الرئيسية في نيويورك ولندن، وإعادة تدويرها على شكل قروض بالدولار الى
الدول المستهلكة للبترول، وهنا بدأت أزمة ديون العالم الثالث، التي لم تكن سوى
إعادة استعمار للدول المتخلفة من خلال إدارة ديونها.
أولا: احتكار صناعة البترول
في الوقت
الذي كاد الكساد الاقتصادي يطل رأسه والبترول يتزايد على استهلاكه تقدم رئيس مجلس
إدارة شل في سنة 1928 بفكرة احتكار سوق البترول على رؤساء شركات البترول العالمية،
وقد اتفقوا جميعا فيما يعرف باتفاقية اكناكاري نسبة الى مدينة اكناكاري باسكتلندا،
تتضمن الاتفاق ألا تتنافس هذه الشركات فيما بينها، تجميد أسعار البترول، التسهيلات
في الشحن والنقل والتفريغ، تحديد أسعار ناقلات البترول، كل سوق بترولي يأخذ
البترول من أقرب الحقول اليها، جعل سوق البترول في خليج المكسيك هو السعر العالمي،
لأن الولايات المتحدة كانت تنتج حوالي 70% من بترول العالم من خليج المكسيك.
لم يعد
بإمكان الولايات المتحدة الاعتماد على الاحتياطيات الهائلة للمملكة العربية
السعودية من البترول لكبح الأسعار، فعندئذ بإمكان الاحتياطيات العراقية القيام
بذلك إذا سيطر عليها أحد الشركاء أو العملاء، وإذا ازدهر الناتج العراقي بفضل
الاستثمارات الدولية فانه سيعمل بالإضافة الى التدفق المتزايد من البترول الروسي
وبترول بحر منطقة قزوين على الضغط على الأسعار، الأمر الذي من شأنه أن يجعل الدول
الأعضاء في أوبك يواجهون بعضهم بعضا في الصراع للحصول على حصة في السوق.
لقد ظهر أن
معركة استرداد الحقوق الوطنية من الشركات البترولية العالمية الكبرى هي معركة تؤدي
إلى خسائر باهظة، لقد حاولت هذه الشركات تعطيل وتأخير مسيرة استعادة
الحقوق الوطنية لأهلها عن طريق الرشاوى وتغيير الحكومات المقاومة للشركات بحكومات
صنيعة لها. ونجحت في ذلك إلى حد كبير في كثير من الأوقات، وكثيرا ما أحبطت هذه
الشركات خططا حكومية ووطنية للقيام بمشاريع بترولية مستقلة. وبرغم أن هذا الصراع
مازال مستمرا إلى اليوم بأشكال مختلفة فإن نتائج هذا الصراع بدأت تميل لصالح الشعوب، وبخاصة
الشعوب التي وعت مصالحها، ولكن مازالت هذه الشركات البترولية العالمية الكبرى في
مناطق أخرى تعبث بالاقتصاد الوطني، ويظهر ذلك بوضوح في بعض البلدان العربية على وجه الخصوص وذلك نتيجة
لتخلف الوعي السياسي والوطني.
لقد كان
إنشاء منظمة الأقطار المصدرة للبترول OPEC في أواخر سنة ١٩٦٠ هو أحد ردود
الفعل الأساسية للتصدي لاحتكار شركات البترول العالمية الكبرى فقد شهدت
السنوات الأخيرة للخمسينيات محاولات متفرقة من أقطار عديدة للوقوف أمام هذا
الاحتكار العالمي إلا أن معظمها فشل بل على العكس من ذلك فإن الأقطار
المصدرة وقفت أمام تخفيض أسعار البترول العالمية في تلك المرحلة موقف العاجز وتعزو
المصادر الغربية أسباب انخفاض أسعار البترول المعلنة في ذلك الوقت (نهاية
الخمسينات) وبالتالي انخفاض دخل الحكومات في الأقطار المصدرة
للبترول إلى أمر أهمها وجود فائض عالمي في الإنتاج البترولي وكان انخفاض دخل الأقطار المصدرة-مع
جملة أسباب أخرى-هو الذي جعل الأقطار الأساسية المصدرة للبترول تقوم بردة فعل من
جراء هذه الصدمة وتنشئ منظمة الأقطار المصدرة للبترول لحماية مصالحها.
الأقطار
الغربية (المحتاجة) إلى البترول بدأت تدرس الوسائل والسبل الكفيلة بتأمين الحصول
على هذه المادة (دون معوقات) إلى درجة التهديد المباشر أو المبطن بحرمان الشعوب
المنتجة من خيراتها عن طريق السيطرة ولو بالقوة على المنابع.
أصبح الخيار المتاح هو إذن الضغط من الداخل أي خلق
مجموعة من المشكلات السياسية والحدودية والعسكرية والعرقية والدينية لبعض الاقطار.
هذه الصعوبات لم تخلقها شركات البترول فقط هذه المرة بل خلقتها سياسات غربية وخاصة سياسة
الولايات المتحدة بتأييد كامل من بريطانيا وهدف هذه السياسات خلق أماكن اضطراب
من جهة والضغط من جهة أخرى لتجميد أسعار البترول ورفع إنتاجيته وفي مقابل
ذلك تشجيع إنفاق أكبر قدر ممكن من مداخل البترول لشراء الأسلحة المتطورة أو إيداع
رؤوس الأموال هذه (التي سمتها الأدبيات الغربية الفوائض!) لدى المؤسسات الرأسمالية
الغربية.
شهدت السوق البترولية العالمية مراحل مختلفة
لسيطرة عدد محدود من الشركات الكبرى على جانب كبير منها، حيث تم ابرام عدة
اتفاقيات فيما بينهم بقصد تأكيد سيطرتها على صناعة البترول والحد من المنافسة
بينها وهو ما عرف بالكارتل، وقد ازداد عدد أعضاء الكارتل بظهور النمط السباعي
للسيطرة على بترول الشرق الأوسط مكونا مما عرف اصطلاحا بالشقيقات السبع.
يمتد التعاون
بين الكارتل والدول الغربية على تخفيض أسعار البترول العالمية ويؤدي هذا الأمر الى
تخفيض أرباح شركات البترول وافادة كبيرة لاقتصادات الدول الغربية، ويكون التنسيق
هنا بمنح هذه الشركات إعفاءات ضريبية تعوضها عن تلك الخسائر.
أصبحت هذه الشركات بفعل قوة تأثيرها الاقتصادي
والسياسي تمثل مراكز قوة داخل بلدانها، ولها القدرة على توجيه السياسات الخارجية
لحكوماتها في الاتجاهات التي تخدم مصالحها، حيث تجاوز تأثيرها حدود بلدانها ليشمل
الاقتصاد العالمي بفعل تحكمها في أسعار الطاقة التي لا يستطيع الاقتصاد التحرك
دونها.
ان القوة
الاقتصادية لشركات الشقيقات السبع لا تنحصر في استعمال سلاح تكنولوجيا البترول
والسيطرة عليها فحسب بل تتعدى تلك القوة لتصبح أداة ضغط سياسية تستخدمها بالتوازي
مع الهيئات والمنظمات الدولية لتنفيذ قرارات تراها مناسبة لها ولمصالحها. وهناك
عدة أمثلة على ذلك مثل الضغط على حكومات الدول التي تمردت على عقود الامتياز وأممت
بترولها، ومن ضمن أساليب الضغط المقاطعة أو الاحجام عن شراء البترول الخام لتلك
الدول. ولكم أسوة في ايران
هذه الشركات
تعتبر امتدادا للرأسمالية العالمية ورمزا للتقسيم الدولي بين البلدان الصناعية
التي تحتاج لاستهلاك قوي للبترول، والبلدان المنتجة والمصدرة في الدرجة الثانية،
والبلدان المتخلفة التي لا تنتج بترولا ولا تسعى لاستهلاكه القوي الا للضرورة.
تعليقات
إرسال تعليق