التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الاستثمار في الموارد البشرية وتنميتها

الاستثمار في الموارد البشرية وتنميتها
للتنمية البشرية جانبان: الأول هو تشكيل القدرات البشرية مثل تحسين مستوى الصحة والمعرفة والمهارات، والثاني هو انتفاع الناس بقدراتهم المكتسبة، إما للتمتع بوقت الفراغ وإما للأغراض الإنتاجية أو الشؤون الثقافية والاجتماعية والسياسية وما لم تستطع مناهج التنمية البشرية إيجاد توازن دقيق بين هذين الجانبين، ويشكلُ السكان عنصراً أساسياً من عناصر التنمية الشاملة في المجتمع، ويمثل جيل الشباب شريحة مهمة من هذه التركيبة السكانية من حيث العدد والقدرة على الإنتاج. وتتنوع تخصصاته وخصائصه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتنموية الفاعلة في المجتمع. ويزيد أهمية هذه الشريحة أنهم الأكثر تأثراً، وبخاصة في ظل التحولات التي صاحبت العولمة شبكة المعلومات - الفضائيات - الهاتف الخلوي. من هنا تأتي أهمية تنمية رأس المال البشري - الذي يفوق في أهميته رأس المال المادي - لأن التكلفة العالية في إعداده بدنياً - علمياً - نفسياً... منذ الطفولة إلى أن يصبح الشخص قادراً على العمل المنتج، يكلف الأسرة والمجتمع كثيراً. وبالتالي فإن إهداره وبقاءه دون عمل هو إهدار للتنمية المجتمعية الشاملة التي تعد أساس بناء المجتمعات وتقدمها. من هنا فهو يواجه صعوبات ومخاطر نتجت من تعامل السياسات الوطنية مع المتغيرات العالمية والإقليمية بالتركيز على إعادة التكيف مع الرأسمالية.
تعتبر الموارد البشرية من المقاييس الأساسية التي تقاس بها ثروة الأمم كون هذه الموارد على رأس المكونات الرأسمالية والأصول المؤثرة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدول، حيث أصبح العنصر البشري ودرجة كفاءته هو العامل الحاسم لتحقيق التقدم. وقد أكد علماء الاقتصاد منذ وقت طويل أهمية تنمية الموارد البشرية في تحقيق النمو الاقتصادي، حيث ذكر آدم سميث في كتابه الشهير ثروة الأمم أن كل القدرات المكتسبة والنافعة لدى سائر أعضاء المجتمع تعتبر ركناً أساسياً في مفهوم رأس المال الثابت. إن حقيقة اكتساب القدرة أثناء التعلم يكلف نفقات مالية، ومع ذلك تعد هذه المواهب جزءاً هاماً من ثروة الفرد التي تشكل بدورها جزءاً رئيسياً من ثروة المجتمع الذي ينتمي إليه، كما أكد ألفريد مارشال أهمية الاستثمار في رأس المال البشري باعتباره استثماراً وطنياً، وفي رأيه أن أعلى أنواع رأس المال قيمة هو رأس المال الذي يستثمر في الإنسان، إذ من طريق الإنسان تتقدم الأمم، والاقتصاد ذاته ذو قيمة محدودة إن لم يستغل في سبيل التقدم، وذلك من طريق القوى البشرية التي تحول الثروات من مجرد كميات نوعية إلى طاقات تكنولوجية متنوعة تحقق التقدم المنشود.
يرتبط الاستثمار في رأس المال البشري بمجموعة من العوامل تختلف من دولة إلى أخرى، ومن هذه العوامل نذكر ما يلي:
أ - العوامل الجغرافية: تعد العوامل الجغرافية واحدة من أهم العوامل المؤثرة في الاستثمار في رأس المال البشري، وهي تشمل موقع الدولة ومناخها وبيئتها الطبيعية ومصادر مواردها، فالأجواء الطبيعية والمناخية قد تكون عاملاً معرقلاً في عملية الاستثمار البشري. ففي الكثير من الأحيان تكون الأجواء المناخية عائقاً أمام السكان في تحقيق النمو البشري من النواحي الثقافية والصحية.
ب - العوامل السكانية: لا تقل التوليفة السكانية في المجتمع أثراً في استثمار رأس المال البشري من العامل الجغرافي، وبخاصة طبيعة الهندسة السكانية السائدة في المجتمع التركيب السكاني ومعدل النمو السكاني حيث يحدد التوزيع العمري للسكان في الفئات الموازية للمراحل التعليمية الكمّ المطلوب من المرافق والموارد التعليمية، كما يترتب على الزيادة في معدل النمو السكاني الحاجة إلى توفير المزيد من هذه المرافق، وفي حال عجز الإمكانات الاقتصادية عن توفير هذه المرافق والموارد في دولة ما تتفاقم مشكلات الأمية وازدحام الفصول التعليمية والضغط على الجامعات بأعداد كبيرة والاهتمام في كل المراحل التعليمية بالجانب الكمي على حساب النوعي، وهو ما يترتب عليه إهدار الاستفادة من الموارد البشرية وضعف التوافق بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل وانتشار البطالة وغيرها من المشكلات، كما هو الحال في مصر.
ج - العوامل الاجتماعية: وهي تشمل المؤثرات المرتبطة بالدين واللغة والتكوين الاجتماعي، ويأتي تأثير الدين بشكل مباشر في النظام التعليمي مع تمسك المجتمع بالحفاظ على العقائد الدينية، وهو ما يلتزم معه المختصون بوضع المقررات التعليمية على أسس دينية تنمي الثقافة الدينية وترسخ العقائد والمبادئ والالتزامات المرتبطة بها، أما اللغة فهي تؤدي دورها في تشكيل النظم التعليمية كونها تشكل التراث الثقافي والفكري للمجتمع ووسيلة التعبير والاتصال بين أفراده. وفيما يتعلق بالتكوين الاجتماعي فإنه يؤثر في النظام التعليمي من خلال ارتباط الفرد بالمجتمع من ناحية، وتكوُّن المجتمع في تركيبته من الأفراد القائمين به، ويؤدي مدى الاتجاه الذي يتبناه المجتمع لإتاحة فرص التعليم لأفراده إلى تحديد حجم شمولية التعليم وفرصه سواء لجميع سكان المجتمع في سن التعليم أو لفئات معينة منه.
د - العوامل الاقتصادية: هناك ارتباط وثيق بين كل من الاقتصاد والتعليم والتدريب، حيث تؤثر الأوضاع الاقتصادية في النظم التعليمية والتدريبية من حيث تحديد محتوى التعليم والتدريب ومناهجها وأساليبها ومدتها وتوفير التكاليف، سواء للإنفاق الكامل عليها أو لدعمها، كما أن المؤسسات التعليمية والتدريبية تمد المشروعات الاقتصادية بالأيدي العاملة المؤهلة والمدربة في مجالات أنشطتها.
ه - العوامل السياسية: حيث تؤثر الأوضاع السياسية السائدة في حركة النظام التعليمي ومحتواه، فالأيديولوجية التي تشكل مجموعة الأفكار المؤثرة في النظام السياسي للدولة تجعل النظام التعليمي يختلف من دولة أو مجموعة من الدول إلى أخرى، حيث يختلف هذا النظام في الدول التي تتبنى النظرية الرأسمالية عن تلك ذات الأيديولوجية الاشتراكية، والدول التي عانت احتلال دول أخرى لها قد تأثرت برامج تعليمها بثقافة الدولة المحتلة، بالإضافة إلى تأثير الاستقرار السياسي في فعالية التعليم واستمراريته.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفكر الاقتصادي في العصور الوسطى الأوروبية

العصور الوسطى الأوروبية: في القرون من التاسع حتى الخامس عشر الميلادية ساد في أوربا التكوين الاجتماعي الاقطاعي، وتتميز طريقة انتاجه التي بدأت في فرنسا ثم انتشرت في انجلترا وباقي مجتمعات أوروبا: ــ بأن العلاقات الاجتماعية للانتاج تدور أساسا حول الأرض التي تصبح البلورة المادية للملكية العقارية، اذ هي ترتكز على اقتصاد يغلب عليه الطابع الزراعي. ــ لمن يقومون بالعمل في الانمتاج الزراعي حق استعمال الأرض وشغلها. أما حق ملكيته فهو على درجات لهرم من السادة تحدده التقاليد والعادات. ــ هذا الأساس الاقتصادي يقابله شبكة من الروابط الشخصية، جزء من العاملين لا يتمتع بكامل حريته الشخصية حيث أنهم أقنان، أما السادة فيرتبط نظام ملكيتهم بنظام من الواجبات يتحمل بها كل منهم في مواجهة من هو أعلى منه. وتجد طريقة الانتاج هذه جذورها في المجتمع القديم حين بدأ كبار ملاك الأراضي يقاومون سلطة روما عن طريق الاقامة في ملكياتهم العقارية وتوسيع هذه الملكيات بالسيطرة على الملكيات الأصغر والمزارع المهجورة. في هذا النظام توجد جذور نظام الأقنان، غير أن هذا لا يعني أن القن وجد كنتيجة للتحرر الجزئي للعبد وانما ي...

مفهوم التخلف والدولة المتخلفة

لقد تعددت مسميات الدول الفقيرة فهناك من يطلق عليها الدول المتأخرة لأنها لم تصل الى مستوى مرتفع من التقدم الفني والاقتصادي , كما أطلق عليها الدول المتخلفة حيث تنخفض فيها مستويات المعيشة عن تلك المستويات السائدة في دول أوروبا , كما أطلق عيها الدول النامية حيث تقوم هذه الدول بمجهود انمائي , كما أطلق عليها أخيرا دول العالم الثالث حيث أن هذه الدول لا تمثل مجموعة متجانسة يمكن أن يشملها تعريف واحد. والحقيقة أنه لا يوجد أي فرق جوهري في هذه المسميات ولكننا سنتفق علي مصطلح الدول المتخلفة. أولا: مفهوم التخلف:- هناك ثلاث اتجاهات رئيسية لتعريف وتحديد التخلف نتناولهم كالآتي:- 1-                       الاتجاه الأول: يقوم هذا الاتجاه بحصر سمات ومظاهر التخلف المتمثلة في انخفاض متوسط الأجور ومستويات المعيشة والاستثمار وانتشار البطالة. ويركز هذا الاتجاه على انخفاض الدخل القومي مما يؤدي الى انخفاض متوسط دخل الفرد وذلك يؤدي الى انخفاض معدل الاشتثمار مما يؤدي الى انخفاض الدخل وبالتالي ترسيخ جذور ا...

نظرية الانتاج

نظرية الانتاج ـ الانتاج يتمثل في الجهد الانساني الذي يبذل لجعل الموارد الاقتصادية صالحة لاشباع الحاجات الانسانية، وهو جهد يتضمن علاقة مزدوجة. علاقة بين الانسان والطبيعة، وعلاقة بين الانسان والانسان. ـ تتطلب عملية الانتاج توافر العناصر الآتية: القوة العاملة وأدوات العمل وموضوع العمل. ـ تضم نظرية الانتاج موضوعات عديدة أهمها: عناصر الانتاج وكيفية التأليف بين هذه العناصر وأشكال المشروعات القائمة الانتاج، واتجاهات هذه المشروعات. ـ عناصر الانتاج وتسمى أيضا عناصر المشروع هي الموارد التي يستخدمها المجتمع في انتاج ما يحتاجه من سلع وخدمات، عناصر الانتاج أربعة: الطبيعة والعمل ورأس المال والتنظيم. ـ الموارد الطبيعية كعنصر من عناصر الانتاج هي كافة هبات الطبيعة التي لم يوجدها عمل انساني سابق ولا حاضر والتي تمكن الانسان من انتاج السلع والخدمات التي يحتاجها لاشباع حاجاته. ـ الطبيعة عنصر سلبي في الانتاج. ـ هناك عدة عوامل اساسية تحكم مدى كفاية الموارد الطبيعية لحاجة الانسان اليها للقيام بنشاطه الانتاجي وهي على سبيل الحصر: 1-          ...