الفكر
الاقتصادي للمدرسة الحدية:
شهدت سبعينات القرن التاسع عشر بلورة للفكر الاقتصادي الحدي، بفضل جهود
الجيل الأول من الكتاب الحديين وأهمهم وليام ستانلي وماري ليون فالراس وكارل منجر،
هذا الفكر يزداد اكتمالا من ناحية فنون التحليل على يد كتاب الجيل الثاني. ثم
يتتابع علية التغير الى يومنا هذا بفضل جهود الاقتصاديين الحديين.
قد تبلور هذا الفكر الاقتصادي في وسط تاريخي يتطور فيه النظام الرأسمالي
ليكون النظام العالمي حيث طريقة الانتاج الرأسمالية تتطور لتغطي الأجزاء المختلفة
من العالم. في داخل المجتمعات الرأسمالية نشهد تبلور القوى الاجتماعية التي تمثل
نقيض المجتمع الطبقة العاملة وتتطور تنظيميا. وقد انعكس تنظيم هذه القوى في التوصل
الى الأهداف التي تسعى لتحقيقها دفاعا عن مصالحها وفي صراعها في سبيل تحقيق هذه
الأهداف، أي في رسم سياسة تتبعها هذه القوى. حيث اعتنقوا كأساس نظري لنشاطهم
النقابي والسياسي النظرية الماركسية وخاصة نظرية العمل في القيمة التي تجد جذورها
في النظرية التقليدية وخاصة في تحليل ريكاردو.
يعود بحث الحديين الى التبادل ولكن خلاف التبادل الذي اهتم به التجاريون
فهو تبادل يبدأ من حاجات الأفراد الاقتصاديين، حيث يتمثل محور الانشغال بالنسبة
للحديين في سلوك أفراد يسعون في مجال الاقتصاد الى تحقيق أقصى استمتاع أقل ألم هذه
هي الحاجات التي يتم اشباعها على حد تعبير فالراس بالأشياء المادية وغير المادية
التي تكون الثروة الاجتماعية تلك الثروة تعرف بالندرة، هذه الندرة تتضمن الآتي:
المنفعة والحد من الكمية.
وعليه ينعكس سلوك هؤلاء الأفراد الذين هم من قبيل الرجل الاقتصادي في
علاقات بين هؤلاء الأفراد وبين الأشياء النادرة التي تصلح لاشباع حاجاتهم، هذه
العلاقات منظورا اليها من جانبها الكمي فقط هي التي تمثل بالنسبة للحديين موضوع
الاقتصاد. ويصبح الاقتصاد بالتالي علم الندرة الأمر الذي يعني أن العلاقات
الاقتصادية ليست علاقات اجتماعية، هذا التصور يجد انعكاسه في اعتبار علم الاقتصاد
على حد تعبير باريتو علما طبيعيا كالفسيولوجيا والكيمياء والى غير ذلك.
ويبرز ألفريد مارشال بين كتاب الجيل الثاني من الحديين بما يقوله عن منهج البحث
في الاقتصاد: يتمثل عمل الباحث في الاقتصاد شأنه في ذلك شأن كل العلوم تقريبا، في
تجميع الوقائع وترتيبها وتفسيرها والقيام باستخلاصات منطقية بشأنها.
ويستخدم باريتو طريقة في الاستقصاء عن طريق التجريد يسميها طريقة التقريبات
المتتالية وتتمثل هذه الطريقة كما يصفها باريتو في البدء ببناء نظرية عامة مبسطة
تعرفنا بالخطوط الجوهرية للمادة محل الدراسة مع التجريد من التفاصيل والدقائق. في
مرحلة ثانية نستطيع أن نقترب تدريجيا، عن طريق سلسلة من التقريبات من الواقع
الملموس بالتوصل الى تصويرات تكون أكثر دقة وأكثر تعقيدا. دون أن نتوهم أننا
نستطيع أن نتوصل عن طريق هذه التقريبات المتتالية الى الواقع بكل تفاصيله وبكل
غناه اذ تفاصيل هذا الواقع وتعقيده أكبر من أن تمكن العلم من التوغل اليها جميعا
وتحليلها في كل أبعادها. فباتباع طريقة التقريبات المتتالية هذه نستطيع أن نتوصل
الى تفسير أكثر ما يكون اقترابا من الواقع دون أن يصل أبدا الى هذا الواقع بأكمله.
كما يستدل الحديون في تحليلهم بالفرد الاقتصادي الذي يعرف ويقدر المزايا
والمساوئ التي تنجم عن تعديل طفيف في سلوكه. ذلك هو تصور الحديين لموضوع ومنهج علم
الاقتصاد. وقد نتج عن جهودهم في تحليل سلوك الأفراد الاقتصاديين مجموعة من
النظريات تكون البناء النظري للمدرسة الحدية، دراسة هذا البناء تبين أنه يتعلق
بالمنفعة المرتكزة على الندرة، فالمنفعة وهم يعتبرونها ظاهرة ذاتية تحل محل العمل
كأساس لتحديد الأثمان. أما عن مكونات هذا البناء النظري فيمكن تقديمها على النحو
التالي:
ـــ ليس لديهم
نظرية في التطور.
ــ تحليلهم ذي
طبيعة وحدية: فمن المنفعة الى الطلب ثم العرض ومن الأثنين تقدم نظرية تحديد أثمان
السلع.
بعد مارشال عرف
البناء النظري الحدي بعض التطور:
ــ المنفعة غير
قالبلة للقياس وانما قابلة للتفضيل.
ــ تحليل سلوك
المشروع في ظروف المنافسة الاحتكارية ومنافسة القلة.
ــ نظريات
لتفسير الأزمات الاقتصادية.
الا أن تصور
الحديين يعاني من بعض الصعوبات الآتية:
ــ اعتبار
المشكلة الاقتصادية للفرد كمحور لعلم الاقتصاد واعتبار هذه المشكلة مشكلة ندرة
يعني خلطا بين المشكلة الاقتصادية للمجتمع الانساني بصفة عامة والمشكلة الاقتصادية
لمجتمع محدد تاريخيا والمشكلة الاقتصادية للفرد.
ــ الانشغال
ينصب على المظاهر الكمية للظواهر متجاهلا مظهرها الكيفي، وهذا يعني أن الظواهر
أبدية لا تتغير.
ــ المنفعة في
نظرهم ذاتية، الا أنها موضوعية.
تعليقات
إرسال تعليق