الرأسمالية الصناعية ومولد علم الاقتصاد السياسي:
شهدت نهاية
القرن السابع عشر بداية انحسار تنظيم الدولة للحياة الاقتصادية، كما شهدت تقلص
نظام الطوائف وتقلص كبرى الشركات التجارية. وقد سار انكماش تدخل الدولة في الحياة
الاقتصادية جنبا الى جنب مع اختفاء الاحتكار وافساح السبيل للمنافسة. ويكمن العامل
الذي انتج هذين الاتجاهين وهو يتقوى بنفس الوقت بفعلهما في تطور الانتاج الصناعي
تطورا يصبح مبهرا ابتداءا من منتصف القرن الثامن عشر، الفترة التي تعلن فيها
الثورة الصناعية في انجلترا: أي التحول الكيفي الذي يصبح به النشاط الصناعي النشاط
السائد في الاقتصاد القومي. يتم ذلك عن طريق تحولات كيفية في فنون الانتاج وطرق
تنظيمية على نحو يغير من قوى الانتاج في المجتمع الرأسمالي.
من خلال هذه
العملية يبدأ الاقتصاد السياسي في الوجود بتحديد معالم موضوعه، الذي يشهد تناسقا
داخليا وبلورة منهجه فاتساع نطاق نشاط المبادلة لكي يصبح الظاهرة السائدة حيث
غالبية الانتاج موجه للسوق الذي يصبح المنظم لنوع جديد من الحياة الاقتصادية،
والذي يظهر كالملتقى الذي تصب فيه كل النشاطات الاقتصادية، يبلور النشاط الاقتصادي
ويبرز أهميته في الكل الاجتماعي، كما نلحظ توسع النشاط الصناعي وازدياد عمقه ليصبح
النشاط الغالب بما يتميز به من سرعة التكرار في فترة زمنية قصيرة بالنسبة للنشاط
الزراعي، نقول اتساع انتاج المبادلة وسيطرة النشاط الصناعي فرضا على الباحث حقيقة
أن الظواهر الاقتصادية وخاصة في مجال الانتاج تحكمها قوانين موضوعية يمكن ويلزم
الكشف عنها. فاذا أضفنا الى ذلك أن الجو الفكري كان يسوده الانشغال العام
بالمشكلات المنهجية انشغالا أنتج وعيا بامكانية استخدام منهج البحث العلمي في
استخلاص المعرفة المتعلقة بالظواهر الاقتصادية، أمكننا أن نفسر مولد علم الاقتصاد
السياسي في هذه المرحلة. هذا المولد يعلن عن نفسه بفضل الجهود الفكرية لمجموعة من
المفكرين يمثلون رواد المدرسة التي يحقق فكر مؤسسيها ميلاد العلم. وهي المدرسة
التقليدية أو الكلاسيكية.
1-
رواد المدرسة التقليدية:
الثروة هي
مجموع ما يوجد تحت تصرف المجتمع من قيم استعمال أي من منتجات تخصص للاستعمال
النهائي ومنتجات يعاد استخدامها في عملية الانتاج.
أما القيمة فهي
ظاهرة مرتبطة بانتاج المبادلة وانتاج المبادلة فقط وتتمثل في خصيصة اجتماعية تجعل
الناتج الذي أصبح سلعة قابلا لأن يكون محلا للمبادلة وتعبر عما يتضمنه من محتوى
يشترك فيه مع باقي السلع رغم اختلاف منافعها.
ــ الرواد
الانجليز للمدرسة التقليدية:
وليام بيتي
يعتبره البعض مؤسس علم الاقتصاد السياسي وذلك لأنه يتمتع برؤية واضحة لموضوع
الدراسة التي يقوم بها ولأنه كان واعيا بأنه يستخدم منهجا جديدا في البحث، بل أكثر
من هذا كان واعيا بأنه ينشئ علما جديدا.
يقول وليام بأن
القيمة تجد مصدرها في العمل ويعلن في هذا الخصوص جملته المشهورة بأن العمل هو أب
الثروة والأرض أمها. والقيمة تقاس بكمية العمل فقيمة السلعة تحددها كمية العمل
التي تحتويها السلعة.
أما بالنسبة
لمسألة الريع فيساوي عند بيتي الناتج الكلي مطروحا منه الأجور والبذور، فهو يمثل
الفائض المتحقق في الانتاج الزراعي، وهو يتضمن الربح الذي لم يتميز عنده بعد.
وعليه يتوزع الناتج الزراعي بين الأجور والريع. كما نجد في فكره الريع الفرقي هذا الريع
يرد عنده الى سببين: اختلاف الأرض في الخصوبة واختلاف الأرض في موقعها من السوق.
ــ الرواد
الفرنسيون للمدرسة التقليدية:
يرى الطبيعيون
وعلى الأخص أبوهم فرنسوا كينيه الذي جعل من الاقتصاد السياسي علما أن الثروة تتمثل
في الأموال اللازمة للحياة ولتجدد الانتاج السنوي لهذه الأموال. فالثروة تتمثل في
المنتجات فيما يلزم منها لاعاشة أفراد المجتمع وما يلزم منها لضمان استمرار
الانتاج في الفترات الانتاجية المقبلة. هذه الثروة تنتج في مجال الانتاج لا مجال
التبادل، وهو يستبعد نشاط الخدمات كنشاط منتج للثروة.
2-
المدرسة التقليدية:
بالنسبة لهم
يتعلق موضوع العلم الجديد بالعملية الاقتصادية، أي الظواهر الخاصة بانتاج وتوزيع
الناتج الاجتماعي، هذا التوزيع تحدده شروط الانتاج. في مجال الانتاج يتعين البحث
عن مصدر ثروة الأمم، وهي ثروة يتعين زيادتها، كما يتعين البحث عن مصدر ومقياس القيمة
ابتداءا من العمل. ومن ثم كانت دراسة دور العمل وتقسيم العمل وأثر هذا الأخير على
انتاجية العمل، ورأس المال والأرض. من القيمة تدرس ظاهرة الأثمان، ثم يدرس توزيع
الناتج الاجتماعي بين الطبقات الاجتماعية المكونة للمجتمع بما تحصل عليه من دخول
نقدية. ثم تدرس الظاهرة النقدية، وظاهرة التبادل مع الخارج وما تتضمنه من تقسيم
دولي للعمل، كما يكون تطور العملية الاقتصادية في مجموعها، وهو تطور يجد محوره في
تراكم رأس المال، محلا للدراسة.
ويقومون بدراسة
الظواهر الاقتصادية في الاطار التحليلي من خلال:
ــ مجتمع مكون
من ثلاث طبقات محددة وفقا لوظائفها الاقتصادية: الطبقة الرأسمالية التي تمتلك
وسائل الانتاج، الطبقة الارستقراطية المتملكة للأرض، والطبقة العاملة التي تعطي
العمل.
ــ مجتمع يرتكز
فيه النشاط الاقتصادي على المبادلة.
ــ مجتمع تسود
فيه المنافسة، ليس فقط داخل البلد الواحد وانما كذلك على المستوى الدولي. في هذا
المجتمع لا تقوم الدولة الا بدور الدولة الحارسة التي تقتصر وظيفتها على الحفاظ
على النظام العام.
كما يرتكز
التقليديون على المظهر الكمي للظواهر مستخدمين بصفة عامة طريقة التجريد ذات
الطبيعة الاستقرائية – الاستنتاجية. بفضل هذا المنهج واستخدام هذه الطريقة في
التحليل يتوصل التقليديون في دراستهم للظواهر التي يتعلق بها موضوع العلم الجديد،
الى بناء مجموعة من النظريات تمثل الجسم النظري لهذا العلم:
ــ فهناك أولا
نظرية للانتاج تركز على نظرية العمل في القيمة، جوهر هذه النظرية أن المنفعة شرط
القيمة، اذ لكي تكون للسلعة قيمة لابد أن تكون نافعة اجتماعيا، أي صالحة لاشباع
حاجة ما. ولكن القيمة تستمد مصدرها من العمل وتقاس بكمية العمل المبذول فيها.
ــ فعلى أساس
القيمة تقوم نظريتهم في توزيع الدخل القومي بين الطبقات الاجتماعية الثلاثة، وهي
نظرية تحتوي نظرية في الربح والفائدة يرتبط بها نظرية رأس المال ونظرية في الأجور
ونظرية في الريع.
ــ وابتداء من
القيمة توجد نظريتهم النقدية تبحث في طبيعة النقود ووظائفها وقيمتها وأثرها في
التداول.
ــ وابتداء من
القيمة يبنون نظريتهم في التجارة الخارجية.
ــ وعلى أساس
القيمة تقوم أخيرا نظريتهم في التطور الاقتصادي.
تعليقات
إرسال تعليق