الرأسمالية التجارية والفكر الاقتصادي للتجاريين

 الرأسمالية التجارية والفكر الاقتصادي للتجاريين:

يبدأ قيام طريقة الانتاج الرأسمالية بمرحلة تحول برزت فيها قوى المجتمع الجديد في سبيلها الى تحقيق سيادتها. وقد وجدت بذور هذا التحول في المجتمع الاقطاعي وحتى في المجتمعات السابقة عليه فيما يتعلق برأس المال التجاري، ونمت هذه البذور من خلال أزمة تفكك الاقطاع، ليتم التحول من خلال عملية مركبة أبعد عن أن تكون خطية في مرحلة أولى من مراحل التطور الرأسمالي غطت الفترة من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر. وهي مرحلة انتقالية تسبق فترة لاحقة ترى كامل تطور قوى المجتمع الجديدة، هذه المرحلة الانتقالية تسمى عادة بمرحلة الرأسمالية التجارية.

وقد شهدت هذه المرحلة نمو روابط الانتاج الجديد في الزراعة والصناعة عن طريق عملية تغير جذري يسيطر من خلالها رأس المال على الانتاج. كما احتوت هذه العملية في نفس الوقت تركيز ملكية وسائل الانتاج القائمة في الزراعة والصناعة في أيدي قلة من كبار الملاك على حساب صغار الفلاحين والحرفيين الذين ينفصلون عن هذه الوسائل، الأمر الذي يبلور الاستقطاب الاجتماعي التدريجي وتميز الطبقتين اللتين تسودان المسرح الاجتماعي في المجتمع الرأسمالي: الطبقة الرأسمالية ( البرجوازية ) والطبقة العاملة ( البروليتاريا )، ويكون رأس المال قد قطع شوطا كبيرا في سيطرته على الانتاج.

لبيان كيفية بروز طريقة الانتاج الرأسمالية في هذه المرحلة نوضح الآتي:

1- رأس المال التجاري وتطوره:

الواقع أن رأس المال التجاري هو أقدم من طريقة الانتاج الرأسمالية، حيث وجد لأداء وظيفة تتمثل في الوساطة في التبادل، ومن ثم كان شرط وجوده هو تبادل السلع.

اذن وظيفة رأس المال التجاري هي مساعدة التبادل، وتتم بأداء عمليتين تتبلور أولاهما في التخلي النقود لشراء السلع بواسطة التاجر، ليقوم في مرحلة ثانية ببيع هذه السلع في مقابل النقود التي تتضمن الربح.

أما فيما يتعلق بالكيفية التي سلط بها رأس المال التجاري اهتمامه على الانتاج تاريخيا فيمكن توضيح ذلك من خلال ثلاث سبل:

ــ السبيل الأول: تحول التاجر الى رأسمالي صناعي.

ــ السبيل الثاني: يصبح المنتج نفسه تاجرا ورأسماليا فيقوم هو بتركيم رأس المال وممارسة النشاط التجاري.

ــ السبيل الثالث: السيطرة المباشرة لعدد من التجار على الانتاج.

2- الكيفية التي تم بها التحول في المجالات المختلفة للنشاط الاقتصادي:

ــ في الزراعة: التحول نحو الزراعة الحديثة: حيث الانتاج للمبادلة وهو ذو طبيعة فردية تنافسية تدفعه المصلحة الذاتية وتحقيق الربح. هذا الانتاج يقوم بطبيعة الحال الى جانب انتاج السوق الذي في وحدات الفلاحين المستقلين.

ــ في الصناعة: يحقق رأس المال سطوته على الانتاج عن طريق التحول التدريجي للنشاط الصناعي وتفكك نظام الطوائف، وتدريجيا تصبح وسائل الانتاج البلورة المادية لرأس المال اذ ينفصل عنها العامل ويمتلكها الرأسمالي رب العمل.

3- الفكر الاقتصادي نتاج هذه المرحلة:

ابتداء من القرن الخامس عشر وتحت تأثير التحولات التي أصابت الحياة الاجتماعية الأوروبية، ينتقل مركز الانشغال الفكري للانسان من القضايا الدينية الى القضايا الزمنية، وفي اطار هذا الانشغال تبرز بعض الأفكار الاجتماعية والاقتصادية حيث تعلن عن الاقتصاد السياسي في مرحلته الجينية.

قد آثار تدفق المعادن النفيسة في القرن السادس عشر وما ارتبط به من ثورة في الأثمان تساؤلات تتعلق بين ثروة الأمم وتجارتها وانتاجها والمخزون من المعادن النفيسة الذي على الأمة الاحتفاظ به، كما تتعلق بين ثروة الأمم وميزانها التجاري.

المشكلة الأولى التي تشغل التجاريين هي تلك الخاصة بطبيعة الثروة. هنا نجد فكرة شائعة في الكتابات المتعلقة في الفكر الاقتصادي مؤدى هذه الفكرة أن النقود تعتبر عند التجاريين عنصر جوهري في تكوين الثروة ان لم تكن مرادفا لها. هذه الفكرة هي في الواقع محل خلاف ولا يمكن اعتبارها ممثلة لمفهوم التجاريين للثروة.

لكن يبدو أنها وجدت في كتابات الأوائل من التجاريين من أنصار السياسة المعدنية، أما بالنسبة للتجاريين الأواخر فلم يعد هناك لبث فثروة بلد ما تتمثل في نتاج الأرض والعمل أو الصناعة، أما الذهب والفضة فليس الا قياس التجارة.

من هنا نستطيع أن نفهم ما نادى به التجاريون من ضرورة ضمان حرية التجارة الداخلية، وهو ما يعني توسيع السوق الداخلية عن طريق ازالة العوائق الداخلية بين المناطق المكونة لاقليم الدولة وبناء الطرق وحفر القنوات، ولكن مع الاحتفاظ بها للسلع القومية وتنظيم الدولة في نفس الوقت للتجارة الخارجية اتخاذ اجراءات حمائية يقصد بها حماية الانتاج المحلي بالحد من الواردات واتخاذ اجراءات تضمن اكتساب الأسواق الخارجية للصادرات الوطنية.

مع انتشار التجارة والمبادلة، وجدت الغالبية من المدرسيين المتأخرين من الصعب التوفيق بين فكرة الثمن العادل وما يتم في وقع الحياة العملية. ابتداء من هذه الصعوبة أصبح من الأوفق بيان الثمن الذي يدفع فعلا الثمن الاتفاقي هو الثمن العادل. وبالتالي يمكن تمييز الأفكار الآتية بالنسبة للثمن:

ــ في فكرهم تتطابق القيمة مع الثمن، الثمن الجاري.

ــ التفرقة بين قيمة السلعة المرادفة للثمن ومنفعتها كما أنهم يقيمون علاقة سببية بينهما.

ــ يحتوي اجابات عديدة بالنسبة لتحديد مستوى الثمن، الثمن الجاري.