علم الاقتصاد السياسي هو أحد العلوم الاجتماعية التي تنشغل بالنشاط
الانساني في المجتمع. والنشاط الاقتصادي يكون محوره الانتاج وتوزيع الناتج ليس
بالنسبة لك فقط ولكن بالنسبة للمجتمع ككل، لا في داخله فحسب وانما كذلك في علاقاته
بالمجتمعات الأخرى المكونة لأجزاء المجتمع العالمي.
المعرفة العلمية هي شرط لازم لوجود علم من العلوم، ولكن وجودها ليس بالشرط
الكافي اذ يلزم لوجود العلم أن تتراكم المعرفة العلمية تراكما كميا يصل الى نقطة
يجعلها كيفيا ممثلة لجسم من المعرفة يدور حول موضوع محدد يعطي للانسان حد أدنى من
اليقين الذي يمكنه من التنبؤ المعقول بالحركة المستقبلة للظواهر محل الانشغال
المعرفي العلمي. هنا ترقى المعرفة العلمية الى مرتبة العلم الذي تتوافر له شروطه
الموضوعية والشكلية والعلم الذي ننشغل به هنا هو علم الاقتصاد السياسي.
لا توجد نظرية اقتصادية تفسر النشاط الاقتصادي لكل المجتمعات ولكل الأزمنة
وذلك لاختلاف الشكل الاجتماعي للنشاط الاقتصادي وقوى الانتاج المستخدمة فيه من
مجتمع لآخر وفي المجتمع الواحد من فترة تاريخية لأخرى.
علم الاقتصاد السياسي هو علم طرق الانتاج أو أساليب الانتاج التي تبلور
الكيفية التي يقوم بها المجتمع في أشكاله التاريخية المختلفة بانتاج وتوزيع ما هو
لازم لاشباع حاجات أفراد المجتمع المادية والثقافية في تطورها المستمر، أي انتاج
وتوزيع ما هو لازم لاعاشة أفراد المجتمع بمستويات معيشية متجددة ومتطورة.
واذا كان الانشغال بطريق الانتاج الرأسمالية يفرض نفسه أولا بحكم أنه في
خضم طريقة الانتاج هذه ولد الاقتصاد السياسي كعلم وبدأ عملية تطوره مع تطور المجتمع
الرأسمالي بل ومع محاولات أجزاء من هذا المجتمع البحث عن بديل تنظيمي أي عن تنظيم
اجتماعي بديل للرأسمالية. كما يفرض نفسه ثانيا بحكم الواقع الذي نعيشه في جزء
متخلف من الاقتصاد الرأسمالي العالمي،حيث اللحظة التاريخية التي تعيشها بعض
المجتمعات التي شهدت منذ الحرب العالمية الأولى بعض محاولات الانتقال للمجتمع
الاشتراكي كلحظة في عملية البحث التاريخي عن البديل الأرقى للتكوين الاجتماعي
الرأسمالي.
فاذا ما تعلق الأمر بطرق اعاشة المجتمع ماديا تكون العبرة في التقييم
التاريخي لكل طريقة من طرق الانتاج بالشوط الذي قطعته في تطوير قدرات الانسان على
اشباع حاجاته في تطورها الاجتماعي. هذا التطوير يتحقق فنيا بما يخلق من قوى انتاج
بشرية ومادية وتنظيما، بامكانية استخدام هذه القوى أحسن استخدام وتوزيع ناتج
استخدامها على نحو يحقق أعلى اشباع لغالبية أفراد المجتمع ان لم يكن لكلهم من خلال
ضمانها لهم لفرص العمل المنتج بالشروط التي توفر انسانية العمل وتجعل منه المحقق
للذاتية الاجتماعية للفرد.
تعليقات
إرسال تعليق