التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عناصر ومتطلبات عملية التنمية الاقتصادية



عناصر ومتطلبات عملية التنمية الاقتصادية
عملية التنمية تعني الانتقال من الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتخلف إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتطور وهذا يقتضي تغييرا جذريا وجوهريا في أساليب الإنتاج المستخدمة وكذلك في البناء العلوي للمجتمع، وقد حصر معظم الاقتصاديين عناصر عملية التنمية في الآتي:
أولا: خلق الإطار الملائم لعملية التنمية الاقتصادية:-
هناك العديد من الأولويات والشروط الأساسية التي لابد من تحقيقها كضرورة حتمية لإنجاح سياسات وإستراتيجية التنمية الاقتصادية، وهي ضرورة تحقيق تغيرات متعددة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كتدعيم الاستقلال السياسي والاقتصادي والخروج من مرحلة التبعية. وذلك عن طريق إنشاء تنظيم سياسي يعبر عن القوى المجتمعية ومشاركة الشعب في كافة القرارات.
لابد من تغيير جوهري في نظام التعليم القائم ليجعله قادرا على مواجهة احتياجات التطور الصناعي والتكنولوجي ويستهدف هذا الإصلاح تغيرا جذريا في طرق التفكير السائدة ومنهج العقل السائد ونظام القيم المسيطر والمعرقل لسياسات التنمية أي أنها تستهدف خلق العقل المنهجي الذي يؤمن بطرق البحث العلمية وبالمعرفة الإنسانية وقدرتها.
ثانيا: توافر الاستثمارات الكافية وارتفاع مستوى التراكم:-
يتوقف نجاح عملية التنمية الاقتصادية على القدرة على تصحيح الاختلالات الهيكلية السائدة ويعتبر التصنيع الوسيلة الرئيسية للقضاء على هذه الاختلالات ويجب ألا يقل حجم هذه الاستثمارات عن الحد الأدنى وذلك للأسباب الآتية:
ـ مواجهة العقبات الأساسية أمام عملية التصنيع والمتمثل في ضيق نطاق السوق المحلي.
ـ تحقيق الاستثمارات المطلوبة في الزراعة والخدمات لإنجاح عملية التصنيع.
كل هذه المتطلبات تستلزم رفع معدل التراكم ورفع معدل الاستثمار حتى يدخل الاقتصاد القومي مرحلة الانطلاق، وكذلك توليد ديناميكية ذاتية قادرة على مواجهة عقبات النمو الاقتصادي.
ثالثا: القضاء على أو تصحيح الاختلالات الهيكلية عن طريق التصنيع:-
يعتبر التصنيع حجر الزاوية في عملية التنمية الاقتصادية إذ يتوقف عليه تصحيح الاختلالات الهيكلية المرتبطة بظاهرة التخلف ويعني التصنيع اتساع القاعدة الصناعية للمجتمع مما يؤدي إلى رفع مستوى وحجم قوى الإنتاج المستخدمة كذلك لابد من تطور قوى الإنتاج المصاحبة لعملية التصنيع، ونجاح التصنيع لا يمكن تحقيقه إلا إذا توافرت شروط معينة واتبعت سياسات محددة في مجالات أخرى في الاقتصاد القومي وبالتالي هناك أمرين لابد من توافرهما:
ـ تحقيق نمو وتقدم في الإنتاج الزراعي حيث تقوم عليه الثورة الصناعية.
ـ بناء القاعدة الأساسية من شبكات الخدمات الأساسية الضرورية لنجاح التصنيع.
ويرجع السبب في إحداث التنمية الزراعية المصاحبة لعملية التنمية الصناعية إلى:
ـ يتحدد النمو الاقتصادي القومي بمعدل النمو في الاقتصاد الزراعي.
ـ تمويل عملية التصنيع يتوقف على حجم الفائض الزراعي المتولد والموجه خارج الزراعة
ـ يعتبر القطاع الزراعي المصدر الرئيسي للقوى العاملة.
ـ يعتبر القطاع الزراعي المصدر الرئيسي لاحتياجات الصناعة.
ـ يمثل القطاع الزراعي المصدر الرئيسي لحصيلة الصادرات.
رابعا: اختيار أسلوب تحقيق التنمية الاقتصادية:-
تبني إستراتيجية معينة للتنمية يتوقف إلى حد كبير على تحديد الإطار العام الذي يختاره المجتمع لتحقيق التنمية.
ـ كيفية عمل جهاز السوق في توجيه الموارد القومية وتحديد نمط استخدامها:
يتم ذلك في ظل نظام الاقتصاد الحر في حالته المثالية وهي التي تسود فيها شروط المنافسة الكاملة سواء في سوق السلع أو في سوق عناصر الإنتاج، فإذا تحققت هذه الفروض فان النظرية التقليدية ترى أن جهاز السوق سوف يؤدي إلى الاستخدام الأمثل للموارد بما يتحقق معه أقصى إشباع للمستهلكين وأقصى ربح للمنتجين.
ويقوم نظام السوق على افتراضات أساسية أهمية الملكية الفردية لوسائل الإنتاج وما يترتب على هذا الحق من ضرورة توافر حرية التصرف في هذه الملكية وهذا يعني توافر حرية المنتج في أن يستغل موارده في أي شكل من أشكال الاستغلال وحرية المستهلك في أن يتصرف في دخله بالطريقة التي يراها ملائمة له.
فجهاز السوق يعمل على تساوي الكمية المطلوبة مع الكمية المعروضة من أي سلعة وبالتالي الإشباع الكامل للمستهلكين وأقصى ربح للمنتجين كذلك يمثل المرآة العاكسة لقرارات المستهلكين والموجه لقرارات المنتجين وعلى ذلك يقال أن نظام الاقتصاد الحر يقوم على مبدأ سيادة المستهلك وذلك لأن رغبات المستهلكين تعكس نفسها في جهاز السوق الذي يقوم بدوره  بتوجيه استخدام الموارد على فروع الإنتاج المختلفة.
ـ القيود الواردة على عمل جهاز السوق:
1-  لا يؤدي عمل جهاز السوق إلى الوصول إلى التشغيل الكامل لموارد المجتمع ولا يستطيع أن يضمن تحقيق هذا الهدف.
2-  لا يستطيع جهاز السوق أن يكون مؤثرا حقيقيا فيما يتعلق بطلب الجمهور على السلع الجماعية.
3-  يعجز جهاز السوق أن يكون موجها سليما للموارد في هذه الحالة.
4-  يجب أن نضع في الاعتبار الآثار المباشرة وغير المباشرة لصناعة ما على صناعة أخرى وهنا يكمن الخلاف بين الربح الخاص والربح الاجتماعي.
ـ جهاز السوق والدول المتخلفة:
·        إذا كان جهاز السوق في الدول الرأسمالية المتقدمة بالرغم من مرونته وافتراض الحالة المثالية يفشل عن أن يؤدي دورا فعالا، فان جهاز السوق في الدول المتخلفة عاجز من باب أولى عن القيام بهذه المهمة.
·        يحتاج نجاح عملية التنمية الاقتصادية إلى توجيه الموارد إلى مشروعات تحتل أهمية إستراتيجية تحجم الموارد الخاصة عن التوجه إليه.
·        تفتقر الدول المتخلفة إلى عرض وافر من المنظمين الصناعيين لذا يتعين على الدولة القيام بهذا الدور.
·        تحتاج التنمية الاقتصادية السريعة إلى رفع معدلات التراكم الرأسمالي وهذا بدوره يحتاج إلى رفع معدلات الادخار ولا يمكن ترك رفع معدلات الادخار للأفراد لأن ذلك سيأتي على حساب الأجيال القادمة.
وبذلك فان التخطيط الاقتصادي أضحى أسلوبا حتميا لتحقيق التنمية الاقتصادية كما أن التخطيط يتعدى المجال الاقتصادي ويشمل جميع المجالات سواء كان اجتماعي أو سياسة خارجية أو صحة أو تعليم، ومن هذا ينتج أن أسلوب التخطيط هو الأسلوب الأمثل لعمل التنمية الاقتصادية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفكر الاقتصادي في العصور الوسطى الأوروبية

العصور الوسطى الأوروبية: في القرون من التاسع حتى الخامس عشر الميلادية ساد في أوربا التكوين الاجتماعي الاقطاعي، وتتميز طريقة انتاجه التي بدأت في فرنسا ثم انتشرت في انجلترا وباقي مجتمعات أوروبا: ــ بأن العلاقات الاجتماعية للانتاج تدور أساسا حول الأرض التي تصبح البلورة المادية للملكية العقارية، اذ هي ترتكز على اقتصاد يغلب عليه الطابع الزراعي. ــ لمن يقومون بالعمل في الانمتاج الزراعي حق استعمال الأرض وشغلها. أما حق ملكيته فهو على درجات لهرم من السادة تحدده التقاليد والعادات. ــ هذا الأساس الاقتصادي يقابله شبكة من الروابط الشخصية، جزء من العاملين لا يتمتع بكامل حريته الشخصية حيث أنهم أقنان، أما السادة فيرتبط نظام ملكيتهم بنظام من الواجبات يتحمل بها كل منهم في مواجهة من هو أعلى منه. وتجد طريقة الانتاج هذه جذورها في المجتمع القديم حين بدأ كبار ملاك الأراضي يقاومون سلطة روما عن طريق الاقامة في ملكياتهم العقارية وتوسيع هذه الملكيات بالسيطرة على الملكيات الأصغر والمزارع المهجورة. في هذا النظام توجد جذور نظام الأقنان، غير أن هذا لا يعني أن القن وجد كنتيجة للتحرر الجزئي للعبد وانما ي...

مفهوم التخلف والدولة المتخلفة

لقد تعددت مسميات الدول الفقيرة فهناك من يطلق عليها الدول المتأخرة لأنها لم تصل الى مستوى مرتفع من التقدم الفني والاقتصادي , كما أطلق عليها الدول المتخلفة حيث تنخفض فيها مستويات المعيشة عن تلك المستويات السائدة في دول أوروبا , كما أطلق عيها الدول النامية حيث تقوم هذه الدول بمجهود انمائي , كما أطلق عليها أخيرا دول العالم الثالث حيث أن هذه الدول لا تمثل مجموعة متجانسة يمكن أن يشملها تعريف واحد. والحقيقة أنه لا يوجد أي فرق جوهري في هذه المسميات ولكننا سنتفق علي مصطلح الدول المتخلفة. أولا: مفهوم التخلف:- هناك ثلاث اتجاهات رئيسية لتعريف وتحديد التخلف نتناولهم كالآتي:- 1-                       الاتجاه الأول: يقوم هذا الاتجاه بحصر سمات ومظاهر التخلف المتمثلة في انخفاض متوسط الأجور ومستويات المعيشة والاستثمار وانتشار البطالة. ويركز هذا الاتجاه على انخفاض الدخل القومي مما يؤدي الى انخفاض متوسط دخل الفرد وذلك يؤدي الى انخفاض معدل الاشتثمار مما يؤدي الى انخفاض الدخل وبالتالي ترسيخ جذور ا...

نظرية الانتاج

نظرية الانتاج ـ الانتاج يتمثل في الجهد الانساني الذي يبذل لجعل الموارد الاقتصادية صالحة لاشباع الحاجات الانسانية، وهو جهد يتضمن علاقة مزدوجة. علاقة بين الانسان والطبيعة، وعلاقة بين الانسان والانسان. ـ تتطلب عملية الانتاج توافر العناصر الآتية: القوة العاملة وأدوات العمل وموضوع العمل. ـ تضم نظرية الانتاج موضوعات عديدة أهمها: عناصر الانتاج وكيفية التأليف بين هذه العناصر وأشكال المشروعات القائمة الانتاج، واتجاهات هذه المشروعات. ـ عناصر الانتاج وتسمى أيضا عناصر المشروع هي الموارد التي يستخدمها المجتمع في انتاج ما يحتاجه من سلع وخدمات، عناصر الانتاج أربعة: الطبيعة والعمل ورأس المال والتنظيم. ـ الموارد الطبيعية كعنصر من عناصر الانتاج هي كافة هبات الطبيعة التي لم يوجدها عمل انساني سابق ولا حاضر والتي تمكن الانسان من انتاج السلع والخدمات التي يحتاجها لاشباع حاجاته. ـ الطبيعة عنصر سلبي في الانتاج. ـ هناك عدة عوامل اساسية تحكم مدى كفاية الموارد الطبيعية لحاجة الانسان اليها للقيام بنشاطه الانتاجي وهي على سبيل الحصر: 1-          ...