متى تتحقق مسئولية حارس الأشياء؟
أولاـ التطور التاريخي
للمسئولية الناشئة عن الأشياء والآلات:ـ
لم تكن هذه المسئولية
معروفة بشكل مستقل بل كانت خاضعة للقاعدة العامة في المسئولية التقصيرية,ولم يستثن
منها إلا حالتان هما المسئولية عن الحيوان,والمسئولية عن البناء.وقد سار الفقه
والقضاء في فرنسا على هذا حتى أواخر القرن التاسع عشر.
ولما تقدمت الصناعة وخاصة
الصناعات الكبيرة,وانتشرت الوسائل الآلية,مع ازدياد أخطارها,وأصبح الإنسان مهددآ
في حياته وأمواله بأخطار ناجمة عن قوى عمياء قد تفلت عن يد الإنسان,وتحدث الشر
الكبير,كما هو في تفجير المفرقعات,أو إطار السيارات,أو التسمم بالأدوية السامة أو
الكيماوية أو غيرها.
وعندما تقدمت الصناعة
وكثرت الآلات وازدادت أخطارها دعت الحاجة إلى وجود نص يعفي المضرور من إثبات خطأ
صاحب الشيء نص ينشىء قرينة على خطأ صاحب الشيء......
ثانياـ المقصود بالشيء:ـ
الشيء بمعناه اللغوي هو كل
موجود وبمعناه القانوني هو"كل ما يصلح أن يكون محلآ للحقوق المالية".
ويقول الأستاذ السنهوري
الشيء هو كل شيء مادي غير حي فيما عدا البناء يدخل في هذا النطاق,ما دامت حراسته
تقتضي عناية خاصة.
أما المقصود بالشيء فهو
كما هو واضح من خلال المادة "291" الآلات الميكانيكية بالإطلاق ولم
يشترط القانون لها عناية خاصة كما اشترط ذلك في غيرها, لأن هذه الآلات تتحرك بمحرك
ذاتي.فافترض القانون لذلك أن حراستها تتطلب عناية خاصة.أما غير الآلات الميكانيكية
فلا يعتبر شيئا بالمعنى المراد في المادة "291" إلا إذا اقتضت حراسته
عناية خاصة.
وبالطبيعي فإنه لا يدخل في
مفهوم الشيء الحيوان, لأن المشرع أفرد نصوصا خاصة له ويستبعد أيضا المسئولية عن
البناء.وتحديد الأشياء التي تتطلب هذه العناية أمر متروك لتقدير قاضي الموضوع
وفكرة العناية الخاصة فكرة نسبية فالشيء الواحد قد تستدعي حراسته عناية خاصة أو لا
تستدعي هذه العناية.ويستوي أن يكون الشيء منقولا أو عقارآ بطبيعته كالأشجار والأرض
إذا انخسفت ,والمباني إذا نجم الضرر لا عن تهدمها,أو عقارا بالتخصيص كالمصاعد
والآلات الزراعية أو الصناعية المخصصة لخدمة مزرعة أو مصنع.
ثالثاـ شروط تحقق مسئولية
حارس الأشياء:ـ
يتبين من خلال نص المادة
"178" مدني أن هناك شرطين يجب توافرهما لكي تتحقق مسئولية حارس الأشياء
والتي تنص عليها وهما:ـ
1)ـ أن يتولى شخص حراسة
آلات ميكانيكية أو غيرها من الأشياء التي تتطلب حراستها عناية خاصة.
2)ـ أن يحدث الشيء ضررا
للغير.
الشرط الأول ـأن يتولى
شخص حراسة آلات ميكانيكية أو غيرها من الأشياء
والتي تتطلب حراستها عناية خاصة.
من خلال قرائتنا الأولية
لهذا الشرط,يتطلب لنا شرح هذا الشرط,من خلال أن نبين ما هو المقصود بالحراسة وما
هو المقصود بالشيء.
#ـ المقصود بالحراسة:ـ
حارس الشيء هو من له الحق
في استعمال الشيء وتوجيهه ورقابة هذا الشيء وفي ضوء هذا المعيار لا
يتحتم أن يكون الحارس هو من له الحيازة المادية,و لا من له الحيازة القانونية,ولا
عبرة بمصدر السيطرة الفعلية على الشيء فيستوي أن يكون مشروعا أو غير مشروع,فسارق
الشيء يعتبر هو الحارس الذي يسأل عما يحدثه هذا الشيء من ضرر.وتطبيقا لهذا المعيار
يعتبر مالك الشيء هو في الأصل للحارس.
ويعتبر بائع الشيء قبل
التسليم هو الحارس,فلا تنتقل الحراسة إلى المشتري إلا بالتسليم.
وإذا انتقل الشيء إلى يد
التابع فالأصل أن تبقى الحراسة للمالك لأنه هو الذي يملك السلطة الفعلية في
التوجيه والتصرف في أمر الشيء.ومن هنا فمثلا إذا أحدثت السيارة ضررا للغير فهنا
يجب مسائلة صاحب السيارة باعتباره حارسا, حتى لو لم يقع من السائق أي خطأ, كما
يمكن أن يسأل باعتباره متبوعا, ولكن في هذه الحالة يجب أن يثبت خطأ في جانب
السائق.
وإذا سلم الشيء إلى من
يتولى إصلاحه, كما لو سلمت سيارة إلى ميكانيكي لإصلاحها,
فإن الحراسة تنتقل إليه,
وذلك ما لم يكن صاحب الشيء قد احتفظ بإشرافه على الشيء.
ويعتبر معلم القيادة هو
الحارس للسيارة, أما من يت, بل فلا يعتبر حارسا.والذي يقوم بامتحان من تعلم
القيادة لا يكون حارس, بلل تكون الحراسة في هذه الحالة لمن تعلم القيادة.
ولا يشترط لاكتساب الشخص
صفة الحارس أي يكون مميزا, بل يمكن أن يكون غير ذلك وهذا لا يمنع من قيام
المسئولية في حقه باعتباره حارسا للشيء مصدر الضرر,
وذلك لأنه يملك السيطرة
الفعلية عليه من خلال ممثله القانوني,ومثال ذلك مسئولية الصغير دون السابعة
باعتباره حارسا عن الأضرار التي سببتها سيارة يمتلكها,فهو يسأل في هذا الفرض في
ذمته المالية.
وإذا كانت الحراسة بهذا
المفهوم أي هي السيطرة الفعلية في التصرف والتوجيه, فهل يمكن أن تكون هذه الحراسة
مجزأة؟ استقر الفقه والقضاء الفرنسي عل إمكانية تجزئة الحراسة إلى حراسة
الاستعمال,وحراسة البنية.
الشرط الثاني:ـ أن يحدث
الشيء ضررا للغير.
يجب لكي تتحقق هذه
المسئولية أن يقع ضرر للغير بفعل الشيء.ولهذا سوف نتكلم عن فعل الشيء وعن الضرر.
1) ـ فعل الشيء:ـ
يعتبر الضرر ناشئا عن فعل
الشيء إذا كان الشيء قد تدخل تدخلا إيجابيا كان هو السبب في إحداث الضرر ويقتضي
التدخل الإيجابي بطبيعة الحال أن يكون الشيء في وضع أو في حالة تسمح عادة بأن يحدث
الضرر,كأن تكون السيارة التي أحدثت الضرر سائرة في الطريق أو واقفة في الطريق أو
واقفة في غير المكان المعد للوقوف.
أما التدخل السلبي فلا
يكفي لقيام المسئولية, كان يصطدم أحد المارة بسيارة واقفة في مكانها الطبيعي, أو
بشجرة ثابتة في مكانها لم تقتلعها الرياح, فلا يكون الضرر في هذه الحالة من فعل
الشيء.
ولا يستلزم التدخل
الإيجابي أن يكون هناك اتصال مادي مباشر بين الشيء والمضرور,
فلو أن سيارة وقفت فجأة
فاضطرت سيارة أخرى تسير ورائها إلى الإنحراف عن الطريق لتفادي الاصطدام فارتطمت
بشجرة فإن العربة الأولى تكون تدخلت تدخلا إيجابيا في إحداث هذا الضرر.
وقد يثور التساؤل عما إذا
كان الضرر قد وقع بفعل الشيء أم بفعل الإنسان, ومثال ذلك
لو فرضنا أن سائقا يقود
سيارة صدمت أحد المارة فهل يعتبر في هذه الحالة قد وقع بفعل السيارة أم أنه يرجع
إلى خطأ الحارس؟.
والإجابة على التساؤل أمر
يسير فإذا كان الشيء مما تتطلب حراسته عناية خاصة وأحدث ضررا للغير كان معنى ذلك
أن الحارس قد قصر في بذل هذه العناية الخاصة حتى أفلت زمام الشيء من يده,ومن ثم
يعتبر الضرر دائما أنه وقع بفعل الشيء,وفيما عدا ذلك أي فلا يسأل الحارس.
ونص المادة
"178"من القانون المدني المصري يقابلها نص المادة "291" والتي
تنص على أنه "كل من كان تحت تصرفه أشياء تتطلب عناية خاصة للوقاية من ضررها
أو آلات ميكانيكية يكون ضامنا لما تحدثه هذه الأشياء من ضرر إلا ما لا يمكن التحرز
منه........"
وتتحقق هذه المسئولية في
القانون المدني الأردني إذا كان هناك حارس للآلات الميكانيكية أو لأشياء تتطلب
عناية خاصة للوقاية من ضررها أو تلحق هذه الأشياء ضررا بالغير فعندئذ يكون الحارس
مسئولا عن هذا الضرر أمام الغير.
وعبر المشرع الأردني عن
مفهوم الحراسة بعبارة ".....من كان تحت تصرفه........."
ويعني هذا حارس
الشيء.وبذلك خالف المشرع الأردني موقفه بالنسبة للمسئولية عن تهدم البناء,حيث أن
المسئولية في حالة تهدم البناء تقع على مالك البناء وليس حارسه.
2)ـ ضرر للغير:ـ
ينطبق الحكم إذا كان الضرر
الذي أحدثه الشيء قد وقع على غير الحارس, وقد يكون هو تابع الحارس, وقد يكون هو
المالك إذا كان شخصا غير الحارس.
وإذا كان هناك عقد بين
المضرور والحارس فإن مسئولية الحارس تكو ن مسئولية عقدية,فلا ينطبق حكم
المادة"178"مدني.فالناقل مثلا يكون مسئولا بمقتضى العقد عن سلامة
الراكب,فإذا أصيب الراكب بضرر كانت مسئولية الناقل مسئولية عقدية وليست تقصيرية.
مطلوب أحكام نقض وجزاكم الله خيرا
ردحذف