التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أساس مسئولية حارس الحيوان


أساس مسئولية حارس الحيوان
سنتناول في هذا المبحث أساس مسئولية حارس الحيوان من خلال القانون المدني
والشريعة الإسلامية.
أولآـ أساس مسئولية حارس الحيوان في القانون المدني.
في البداية فهذه المسئولية تقررها قاعدة موضوعية وهي تقوم على فكرة التضامن الاجتماعي.قيل أن أساس مسئولية حارس الحيوان هو تحمل التبعية وقد لوحظ على هذا القول إنه لا يتفق مع كون المسئول هو الحارس وليس المنتفع.
ولكن أساس هذه المسئولية هو خطأ مفترض في جانب الحارس. والخطأ المفترض في جانب حارس الحيوان هو خطأ في الحراسة, وعلى هذا الخطأ قامت مسئولية الحارس, فالخطأ إذن هو أساس المسئولية.
بمعنى أن الخطأ مفروض في جانب الحارس بمجرد حدوث الضرر وبناء علي ذلك لا يكلف المضرور بإقامة الدليل عليه.
إذآ كان أساس هذه المسئولية هو الخطأ في الحراسة,وذلك على خلاف في التكييف فقائل
إن هذه المسئولية تقوم على خطأ مفترض في جانب الحارس,فهناك قرينة قانونية قاطعة على خطأ الحارس,إذ أنه لايمكن نقض هذه القرينة بنفي الخطأ,وإنما تنقضي فحسب بإثبات أن الحادث يرجع إلى سبب أجنبي عن الحارس.
وقائل إن هناك قرينة قانونية قاطعة تفيد خطأ الحارس, وهذه لا تقبل الإثبات العكسي, وقرينة قانونية غير قاطعة تفيد توافر علاقة السببية بين الخطأ والضر, وهذه تنقض بإثبات السبب الأجنبي.
أي بإثبات أن الضرر لا يرجع إلى فعل الحيوان وإنما يرجع إلى قوة قاهرة أو خطأ المضرور أو خطأ الغير.
قائل أن القانون فرض على الحارس التزاما بحراسة الحيوان وعدم الإفلات منه,فإذا ماأفلت الحيوان كان هذا خرقآ للالتزام وتحقيق خطأ الحارس,وهذا الخطأ يثبت من مجرد وقوع الضرر,ولا يستطيع الحارس أن ينفي عن نفسه عكس ما قد يثبت من مجرد وقوع الضرر,ولا يستطيع الحارس أن ينفي عن نفسه عكس ما قد ثبت.
ولا يبقى أمامه للخلاص من المسئولية إلا إثبات السبب الأجنبي،وعليه فالقرينة التي أنشأتها المادة"176"مدني ليست قرينة على الخطأ لأن الخطأ هنا خطأ ثابت,بل هي قرينة على توافر رابطة السببية وهي تقبل الدحض دائما بإثبات أن للحادث سببآ أجنبيا عن الحارس.
أساس مسئولية حارس الحيوان في القانون المدني الأردني:ـ
الواضح أن مسئولية ذي اليد على الحيوان ـ حارس الحيوان ـ هو التقصير والتعدي و المراد بالتعدي القيام بفعل ضار لا يجوز القيام به,أما التقصير فهو الامتناع عن عمل كان يجب القيام به ونشأ عن ضرر.
ولكن قد يقال كيف تؤسس مسئولية ذي اليد على التعدي,والتعدي يعني الخطأ الثابت,و
ليس في القانون المدني الأردني تبعآ للفقه الإسلامي ؟
ذلك أن مسئولية الحارس عن فعل الحيوان هي من قبيل الفعل بالتسبب ومسئولية الفاعل بالتسبب.ومسئولية الفاعل بالتسبب مسئولية قائمة على فكرة الخطأ برأيي"المتعمد,التعدي"
ويرى بعضهم:ـ
أن خطأ حارس الحيوان في الفقه الإسلامي هو خطأ مفترض غير قابل لإثبات العكس في أحوال معينة كأن يربط دابته في الطريق العام وهو خطأ مفترض لإثبات العكس في أحوال أخرى كأن يحدث ضرر من حيوان له يد عليه إذ يضمن الحارس إلا إذا أثبت أنه لم يكن بوسعه التحرز عن الضرر.
لا سبيل إلى دفع هذه المسئولية:ـ
إذا توافرت الشروط التي ذكرناها سابقا لقيام مسئولية حارس الحيوان فإن هذه المسئولية تتحقق دون أن يكون في وسع الحارس أن يدرأها عن نفسه بأية وسيلة,إذ لا تصح مناقشة قاعدة موضوعية لاستبعاد تطبيقها.
وما يقال من أن الحارس يستطيع أن يدفع مسئوليته بنفي علاقة السببية بين فعل الحيوان والضرر الذي وقع, وذلك بإثبات أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي, قول يحتاج إلى الدقة.
ويبدو أن ما ذكره الشارع في المادة"176"مدني من جواز دفع المسئولية بإثبات السبب الأجنبي هو الذي جعل البعض يعتقد أن هناك قرينة قانونية على السببية يمكن نقصها بهذا الطريق,مع أن الحكم ما كان ليتغير لو أن الشارع سكت في النص عن السماح للحارس بذلك,إذ أن دفع المسئولية على هذا النحو أمر يجوز للحارس دائمآ بناء عما له من حق في أن يناقش توافر قيام المسئولية وأن يدحض أي دليل يقدمه خصمه في هذا الشأن.ففي مسئولية المتبوع لم ينص الشارع في المادة"174"مدني على جواز دفع هذه المسئولية بإثبات السبب الأجنبي.
ثانياـ أساس مسئولية حارس الحيوان في الشريعة الإسلامية.
انتزع فقهاء الشريعة الإسلامية من الحديث الشريف:"العجماء جرحها جبار",أصلآ وقاعدة كلية هي عدم الضمان في جناية الحيوان.
ولكن الغالب أن فعل الحيوان لا يكون إلا من فعل ضار حصل مباشرة أو تسببا من مالكها أو حارسها أو راكبها أو سائقها أو قائدها أو أي شخص له السيطرة عليها.
لذلك فالأصل هو عدم الضمان في جناية الحيوان ما لم يثبت أن صاحبها حملها على شئ ,أي باشر بها الضرر فإنه يضمن لنسبة الفعل إليه,أو يثبت أن صاحبها تسبب بواسطتها في إحداث الضرر بالغير فيضمن إذا ثبت التعدي في جانبه.
يقول ابن عابدين:"وإن كانت الجناية في ملك غير صاحبها فإما إن أدخلها صاحبها فيه أولآ, فإن كان الثاني فلا ضمان عليه على كل حال,لأنه ليس بمباشر ولا متسبب وإن كان الأول فعليه الضمان....لأن أي مباشر أو متسبب متعد"
ومن الأمثلة الواردة في تضمين صاحب الحيوان لمباشرته الضرر بواسطة الحيوان,حيث ينزل فعل الإنسان بمنزلة المباشر وينزل فعل الحيوان بمنزلة الآلة,قولهم "كما لو داست مركوبة لأحد على شئ بيدها أو رجلها..وأتلفته يعد الراكب قد أتلف ذلك الشئ مباشرة فيضمن على كل حال".
ومن الأمثلة الواردة في تضمين صاحب الحيوان لتسببه في إحداث الضرر بواسطة الحيوان قولهم"يضمن حارس الحيوان ما تحدثه من ضرر نتيجة إيقافها في طريق العامة للتعدي بالوقوف".وقولهم:يضمن الراكب ما يحدثه الحيوان من ضرر نتيجة الوطء والإصابة باليد أو الرجل أو الكدم أو الخبط سواء كانت سائرة أو واقفة أما النفحة بالرجل أو الذنب فلا يضمن ما لم يكن واقفآ".
ويستفاد من هذين النصين أن فقهاء الشريعة يربطون الضمان بوجود التعدي, فإحداث الضرر في الصور المذكورة يعتبر في ذاته تعديا لخروجه عن المألوف حيث يقولون "ولا يمكنه الاحتراز عن النفحة بالرجل والذنب مع السير على الدابة فلم نقيده بها, وإن أوقفها في الطريق ضمن النفحة أيضآ لأنه يمكنه التحرز عن الإيقاف ........"
هذا والمتتبع لتطبيقات الفقهاء حول تضمين حارس الحيوان يلاحظ اشتراطهم لثبوت التعدي أو المباشرة قي فعل المالك,غير أن نظرة الفقهاء اختلفت في شأن تقدير مدى توفر هذا العنصر,نظرآ لما يحيط فعل الحيوان من ظروف وملابسات تختلف الأنظار في تقديرها.ومن الصور المختلف فيها في تضمين صاحب الحيوان فعل الحيوان المرسل.
فجمهور الأحناف والظاهرية لا يضمنون صاحب الحيوان المرسل فيما أتلفته في المزارع أو البساتين ليلآ كان أو نهارا ما لم يثبت تعد معين في جانب المالك,كأن يكون قد فرط في حفظه.
أما جمهور الفقهاء من الحنابلة والشافعية والمالكية والزيدية و الإمامية فيضمنون صاحب الحيوان ما أتلفه الحيوان المرسل من الزرع والشجر ونحوه ليلآ ولا يضمن فيما لأتلفه نهارآ.والمتأمل في سبب الاختلاف بين الفقهاء يتبين له أن الفريق الأول يرى أنه لابد من ثبوت وجه التعدي في جانب مالك الحيوان للقول بتضمينه.أما الفريق الثاني فيرى أن الإرسال ليلآ في حد ذاته تعديآ يوجب الضمان.
الخلاصة:ـ
نخلص من ذلك إلى أن الأصل أن الشريعة الإسلامية تربط ضمان صاحب الحيوان بثبوت التعدي, وربط الضمان بالتعدي محل إجماع بين جمهور الفقهاء,ولكن هناك استثناء ينصرف إليه بعض الفقهاء كما أوضحنا سابقآ.
تطبيقات عملية خاصة بمسئولية حارسة الحيوان, ودعوى التعويض:ـ
1)ـ العبرة في قيام الحراسة الموجبة للمسئولية على أساس الخطأ المفترض هي بسيطرة الشخص على الحيوان سيطرة فعلية لحساب نفسه, وتقول محكمة النقض:ـ
إن حارس الحيوان بالمعنى المقصود في المادة167من القانون المدني, هو من تكون له السيطرة الفعلية عليه, ويملك التصرف في أمره.ولا تنتقل الحراسة من مالك الحيوان إلى التابع المنوط به ترويضه وتدريبه,ذلك أنه وإن كان للتابع السيطرة المادية على الحيوان وقت تدريبه,إلا أنه يعمل لحساب متبوعه ولمصلحته,ويتلقى تعليماته في كل ما يتعلق بهذا الحيوان,فإنه يكون خاضعآ للمتبوع مما تظل معه الحراسة لهذا الأخير.
إذ أن العبرة في قيام الحراسة الموجبة للمسئولية على أساس الخطأ المفترض, هي بسيطرة الشخص على الحيوان سيطرة فعلية لحساب نفسه.
2)ـ مسئولية الطاعنة مالكة الحيوان لا تتوقف على خطأ معين يثبت في حقها, وإنما تقوم على قرينة مظنة الخطأ وحدها, بعد أن نفت المحكمة القوة القاهرة وخطأ المجني عليه.
وتقول محكمة النقض في هذا الصدد:ـ
متى كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه,إذا قضى بتقرير مسئولية الطاعنة عن الضرر الناشئ عن إحدى الأفراس المملوكة لها,فقد أقام قضاءه على أن مورث المطعون عليها كان وكيلآ عسكريآ بالوزارة المذكورة ـ وزارة الحربية والبحريةـ ومن أخص أعمال وظيفته القيام بالعمل الذي قام به,وفقآ لما قرره المجلس العسكري الذي شكل عقب وقوع الحادث,وأنه وقت إصابته كان في طريقه للخروج من ساحة العرض بعد أن تم استعراض الخيول,وأن الحادث لم يقع بقوة قاهرة أو بسبب خطأ من جانب المصاب.
وأن مسئولية الطاعنة وهي مالكة الحيوان,لا تتوقف وفقآ المادة"153"من القانون المدني القديم,المادة "176"من القانون المدني الجديد,على خطأ معين يثبت في حقها,وإنما تقوم على مظنة الخطأ وحدها, وهي بمثابة قرينة قانونية تستلزم مساءلتها.
فإن المحكمة تكون في حدود سلطتها الموضوعية وقوع الحادث بقوة قاهرة,أو بسبب خطأ من جانب مورث المطعون عليها,وهي إذ قضت بمسئولية الطاعنة عن الضرر الذي أصاب المطعون عليها بوفاة مورثها تكون قد استندت في هذا الشأن إلى أسباب مسوغة لحكمها.
3)ـ لا يكفي في المسئولية الجنائية لحارس الحيوان ثبوت ملكيته له, بل لابد من إثبات نوع من أنواع الخطأ في المحافظة على الحيوان, ومنع أذاه عن الغير
وتقول محكمة النقض في هذا الصدد:ـ
لا يكفي لمحاكمة شخص جنائيا,عما يصيب الغير من أذى بفعل الحيوان,أن يثبت أن ذلك الحيوان مملوك له,لأن ذلك إذا كان يصبح مبدئيا أن يكون سببا للمسئولية المدنية, 
فإنه لا يكفي لتقرير المسئولية الجنائية التي لا يصح أن يكون لها محل, إلا إذا ثبت على المالك نوع من أنواع الخطأ في المحافظة على حيوانه, ومنع أذاه عن الغير.
وفي هذه الحالة يجب بيان نوع هذا الخطأ في الحكم,ووجه نسبته إلى مالك الحيوان بالذات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفكر الاقتصادي في العصور الوسطى الأوروبية

العصور الوسطى الأوروبية: في القرون من التاسع حتى الخامس عشر الميلادية ساد في أوربا التكوين الاجتماعي الاقطاعي، وتتميز طريقة انتاجه التي بدأت في فرنسا ثم انتشرت في انجلترا وباقي مجتمعات أوروبا: ــ بأن العلاقات الاجتماعية للانتاج تدور أساسا حول الأرض التي تصبح البلورة المادية للملكية العقارية، اذ هي ترتكز على اقتصاد يغلب عليه الطابع الزراعي. ــ لمن يقومون بالعمل في الانمتاج الزراعي حق استعمال الأرض وشغلها. أما حق ملكيته فهو على درجات لهرم من السادة تحدده التقاليد والعادات. ــ هذا الأساس الاقتصادي يقابله شبكة من الروابط الشخصية، جزء من العاملين لا يتمتع بكامل حريته الشخصية حيث أنهم أقنان، أما السادة فيرتبط نظام ملكيتهم بنظام من الواجبات يتحمل بها كل منهم في مواجهة من هو أعلى منه. وتجد طريقة الانتاج هذه جذورها في المجتمع القديم حين بدأ كبار ملاك الأراضي يقاومون سلطة روما عن طريق الاقامة في ملكياتهم العقارية وتوسيع هذه الملكيات بالسيطرة على الملكيات الأصغر والمزارع المهجورة. في هذا النظام توجد جذور نظام الأقنان، غير أن هذا لا يعني أن القن وجد كنتيجة للتحرر الجزئي للعبد وانما ي...

مفهوم التخلف والدولة المتخلفة

لقد تعددت مسميات الدول الفقيرة فهناك من يطلق عليها الدول المتأخرة لأنها لم تصل الى مستوى مرتفع من التقدم الفني والاقتصادي , كما أطلق عليها الدول المتخلفة حيث تنخفض فيها مستويات المعيشة عن تلك المستويات السائدة في دول أوروبا , كما أطلق عيها الدول النامية حيث تقوم هذه الدول بمجهود انمائي , كما أطلق عليها أخيرا دول العالم الثالث حيث أن هذه الدول لا تمثل مجموعة متجانسة يمكن أن يشملها تعريف واحد. والحقيقة أنه لا يوجد أي فرق جوهري في هذه المسميات ولكننا سنتفق علي مصطلح الدول المتخلفة. أولا: مفهوم التخلف:- هناك ثلاث اتجاهات رئيسية لتعريف وتحديد التخلف نتناولهم كالآتي:- 1-                       الاتجاه الأول: يقوم هذا الاتجاه بحصر سمات ومظاهر التخلف المتمثلة في انخفاض متوسط الأجور ومستويات المعيشة والاستثمار وانتشار البطالة. ويركز هذا الاتجاه على انخفاض الدخل القومي مما يؤدي الى انخفاض متوسط دخل الفرد وذلك يؤدي الى انخفاض معدل الاشتثمار مما يؤدي الى انخفاض الدخل وبالتالي ترسيخ جذور ا...

نظرية الانتاج

نظرية الانتاج ـ الانتاج يتمثل في الجهد الانساني الذي يبذل لجعل الموارد الاقتصادية صالحة لاشباع الحاجات الانسانية، وهو جهد يتضمن علاقة مزدوجة. علاقة بين الانسان والطبيعة، وعلاقة بين الانسان والانسان. ـ تتطلب عملية الانتاج توافر العناصر الآتية: القوة العاملة وأدوات العمل وموضوع العمل. ـ تضم نظرية الانتاج موضوعات عديدة أهمها: عناصر الانتاج وكيفية التأليف بين هذه العناصر وأشكال المشروعات القائمة الانتاج، واتجاهات هذه المشروعات. ـ عناصر الانتاج وتسمى أيضا عناصر المشروع هي الموارد التي يستخدمها المجتمع في انتاج ما يحتاجه من سلع وخدمات، عناصر الانتاج أربعة: الطبيعة والعمل ورأس المال والتنظيم. ـ الموارد الطبيعية كعنصر من عناصر الانتاج هي كافة هبات الطبيعة التي لم يوجدها عمل انساني سابق ولا حاضر والتي تمكن الانسان من انتاج السلع والخدمات التي يحتاجها لاشباع حاجاته. ـ الطبيعة عنصر سلبي في الانتاج. ـ هناك عدة عوامل اساسية تحكم مدى كفاية الموارد الطبيعية لحاجة الانسان اليها للقيام بنشاطه الانتاجي وهي على سبيل الحصر: 1-          ...